أظهرت الحلقة الحوارية التي عقدها الاتحاد النسائي الأسبوع الفائت تحت عنوان «التقنين بين الشريعة والقانون»، والتي ناقشت إصدار قانون أحكام الأسرة، أظهرت أن هناك اختلافات عميقة في الرؤى بين علماء ومشايخ الدين تشكّل عراقيل إضافية في وجه الإسراع بإصدار القانون. كنا نحسب أن العائق المتبقي هو شرط الضمانات الدستورية، إلا أنه من الواضح أن الأمور تتعقد أكثر فأكثر.
كان المطلب الذي رفعته المؤسسات الأهلية عبر لجنة الأحوال الشخصية منذ مطلع الثمانينات الماضية إصدار قانون عصري موحد معني بكل المجتمع، شامل لكل قضايا الأحوال الشخصية.
نبعت الحاجة الملحة للقانون لمواجهة تفاقم إشكالات الأحوال الشخصية التي يعانيها المتضررون من أفراد الأسرة البحرينية. وطرح المطلب اقتداء بالدول العربية الأخرى التي أسهم إصدار القانون في حل الكثير من الإشكالات المتعلقة بالأحوال الشخصية في مجتمعاتها.
مع التوجه لتأسيس دولة المؤسسات والقانون في عهد جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة انطلق كل ذي مطلب يطرح مطلبه. وتحركت مؤسسات المجتمع المدني التي تعددت وتنوعت في العهد الجديد لرفع المطلب ووضعه في بند الأولويات على جدول المطالب الشعبية. في البداية وُوجه المطلب بمعارضة دينية شديدة، وكان التقنين بحد ذاته مرفوضا من قبل الكثير من علماء ومشايخ الدين تتبعهم في ذلك تياراتهم الدينية. وباتساع رقعة الجدل واحتدام تجاذبات الرؤى، وأمام الإصرار المجتمعي على إصدار القانون، تخلى غالب علماء ومشايخ الدين عن رفضهم للتقنين وأعلنوا موافقتهم مرتبطة بشروط معينة. من جهتها، تبنت الجهة الرسمية الاقتصار على تقنين أحكام الشأن الأسري فحسب، لعل في ذلك تفاد للاختلافات وتسريع بحل مشكلات أسرية متراكمة في أروقة المحاكم.
برزت على السطح معضلة شروط التقنين التي طرحها كثير من العلماء والمشايخ بأشكال مختلفة أبرزها شرط الضمانات الدستورية. وفي خضم ذلك وعلى مدى خمس سنوات خرجت للنور أكثر من مسودة لأحكام الأسرة بتوجيه رسمي من هذه الجهة أو تلك. وقد كنا نظن أن المعضلة الأساس المعيقة لإصدار القانون هي شروط الضمانات الدستورية التي قال بها علماء الدين، وأن الجهود الساعية للتسريع بالإصدار يفترض أن تتجه نحو التحاور والتداول مع علماء الدين للوصول إلى التوافق المطلوب بشأن اشتراطاتهم.
جاءت الحلقة الحوارية لتكشف اختلافات كبيرة بين علماء ومشايخ الدين ليس بين المذهبين الجعفري والسني فحسب بل وداخل المذهب ذاته. تأتي الاختلافات متسقة مع تباين الاتجاهات الدينية الفكرية والأيديولوجية واجتهاداتها في مجالات الفقه الشرعي.
من جانب آخر، انعكس الاصطفاف السياسي الذي آلت إليه التيارات الدينية وفقا لدرجة قربها أو بعدها من السلطة، ووفقا لمفهوم واستراتيجيات الإصلاح التي تتبناها، على موقفها من التقنين وشروطه.
حضر الحلقة الحوارية علماء ومشايخ دين يمثلون التيارات الدينية بتلاوينها وأظهروا تباينات واختلافات بلغت حد التطرق لمسألة من تعود له الأحقية في عضوية اللجان المنوطة بإعداد أي مسودة مطروحة للقانون. وعلى رغم الطابع المتحضر الحر الذي ساد المناقشات، فإنه كشف عن عمق اختلافات تملك آثارها السلبية على التوجهات الحالية نحو التسريع بإصدار القانون.
اختلف المنتدِيان قاضي محكمة الاستئناف العليا الشرعية/ الدائرة الجعفرية الشيخ محسن آل عصفور ووكيل المحكمة الكبرى الشرعية السنية والشيخ ياسر المحميد .
الشيخ محسن آل عصفور هاجم مسودات القانون التي طُرحت وقال انها لا تعكس الحل الشرعي الإسلامي المفترض، ورفض أن يضع قانونا شرعيا من ليس له علاقة بالشرع. وهاجم الشق الجعفري في المسودة المنشورة حديثا في الصحافة، متحدثا عن افتقارها لمقاييس ومعايير علمية فقهية في التدوين والمدونين والمنهجية. ورأى فيها تنكرا لثراء المدرسة الفقهية لفقهاء البحرين، وأغلاطا وثغرات ونقصا واضحا أفضى للتنكر لحق اختيار الشريك والحقوق المالية للمرأة وضمانة الانفصال. وطالب بضرورة تشكيل لجنة لصوغ القانون بتعيين من الملك تضم ممثلين عن المذهبين لا يشرف عليها لا المجلسان ولا أطراف المعارضة. في الوقت ذاته لم يعلن أي موقف خاص به من شروط الضمانات الدستورية.
أما الشيخ ياسر المحميد أحد واضعي الشق السني من المسودة المطروحة فقد دافع عن المسودة وامتدح ما ورد بشقها السني من ميزات حول توسيع مفهوم الضرر والمخالعة الجبرية وعدم إيقاع الطلاق ألبدعي وعدم إيقاع طلاق الغضبان أو السكران ومعالجة قضايا النسب معالجة تحد من كثرة نفر الإنسان والحد من بعض التصرفات المجتمعية المؤثرة على استقرار الأسر. وعارض الشيخ ياسر المحميد الضمانات الدستورية قائلا إن الدين حماه رب العالمين كل هذه السنين وأن الذي يحمي الشريعة هم الناس وتدينهم.
من جمهور الحضور تداخل الشيخ عبدالرحمن عبدالسلام قائلا أن واضعي مسودة القانون لم يأخذوا برأي الكثير من المشايخ. في الوقت ذاته أكد ضرورة توافر الضمانة الدستورية. ورد عليه الشيخ ياسر المحميد بأنه لا يمكن أن يدعو كافة السنة مشايخ الذين يزيد عددهم على 300 شيخ حين وضع القانون وليس من الوارد أن يوافق عليه كل شيوخ الدين في البلد.
أما السيد كامل الهاشمي فدافع ضمنا عن شرط الضمانات الدستورية قائلا إن الدولة لو أرادت أن تحسم الأمر لحسمته، فهي(الدولة) من وضع الدستور. وذهب إلى أننا مجتمع لم يحسم خياره وأن هناك مصلحة في عدم الحسم واستغلال المرأة في الاستمرار بالمطالبة بالتقنين.
وفي حين رأى الشيخ ناجي العربي أن صوغ الشق السني من القانون قوية وخالية من الركاكة، فقد طالب بمعرفة الآلية التي وضُعت عليها المسودة. وتساءل معترضا على استبعاد كل قضاة المالكية والمنتمين للمذهب المالكي من عضوية لجنة الإعداد. وعارض ما ذكره الشيخ ياسر المحميد عن عدم الحاجة للضمانات الدستورية معتبرا ان وجود ضمانات أمر ضروري وليس صحيحا أن الناس يحمون الشريعة، فالكثير من الأحكام تُعطل بسبب الناس. وفي الوقت الذي أكد موافقته على التقنين، طالب بشرط الضمانات.
حضور الحلقة الحوارية من علماء ومشايخ الدين وتعارض ما ذهبت إليه مداخلاتهم ليس إلا عينة لما يمور به هذا الجزء من الجسم المجتمعي من تباينات واختلافات تزيد القلق وتثير الشكوك حول أفق منظور لإصدار القانون.
إقرأ أيضا لـ "فوزية مطر"العدد 1730 - الجمعة 01 يونيو 2007م الموافق 15 جمادى الأولى 1428هـ