ومنذ دخول القرن الجديد، سجل حجم التبادل التجاري الصيني الإفريقي رقما جديدا أعلى، فقد تجاوز لأول مرة حاجز 10 مليارات دولار في العام 2000 واقترب من 40 مليار دولار في العام 2005. ثم عاد وحقق قفزة جديدة أخرى في العام 2006 عندما وصل إلى 50 مليار دولار. ومن التأكيد أن تتجاوز نسبة زيادة الحجم التجاري الصيني الإفريقي 10 مليارات دولار.
ولو عدنا إلى التاريخ فسنرى أن التجارة الصينية الإفريقية مرت بفترة تطور هادئة ورتيبة في بداياتها، اذ وصل الحجم التجاري الصيني الإفريقي الى 12 مليون دولار فقط في العام 1950. ثم احتاجت التجارة الصينية الإفريقية إلى 10 اعوام أخرى كي تقفز من 10 ملايين دولار الى 100 مليون دولار. بعدها كان لابد أن تمضي 20 سنة أخرى كي تحقق التجارة الصينية الإفريقية قفزتها النوعية الأولى لتصل من 100 مليون دولار الى مليار دولار. وكان لابد ان يمر 20 عاما آخر كي يتحول المليار دولار الى 10 مليارات دولار. وخلال الفترة الوجيزة من القرن الحالي لم تتجاوز السنوات الست الأخيرة، ازدادت التجارة الصينية الإفريقية من 10 مليارات دولار الى 50 مليار دولار، وبلغت نسبة زيادتها السنوية 30 في المئة. ويتوقع ان تتجاوز التجارة الصينية الإفريقية 100 مليار دولار في العام 2010. ومعنى ذلك ان زيادة التجارة الصينية الإفريقية ستتجاوز 10 مليارات دولار بالمعدل سنويا.
إن النمو السريع للتجارة الصينية الإفريقية قائم على الاساس المتين لنمو الاقتصاد السريع للطرفين. لقد مضى أكثر من 20 عاما على الصين في تطوير اقتصادها بوتائر متسارعة، ويتوقع المجتمع الدولي عموما ان يتواصل نمو اقتصاد الصين الى ما بعد العام 2020. وفي الوقت نفسه، ومنذ دخول القرن الجديد، بدأ الاقتصاد الإفريقي يدخل في الطريق السريع للنمو أيضا. ومع النمو السريع لاقتصاد الصين، ستشهد صادرات الصين ارتفاعا من حيث نوعيتها ومستواها، قياسا على منتجات الدول الغربية. ومن المعروف أيضا أن صادرات الصين تناسب مطالب المستهلكين الافارقة أكثر من منافستها الغربية؛ ما يوسع من فرص اختراق الاسواق الإفريقية المتعددة ويخفض مصروفات هذه الأخيرة الاستهلاكية، ويكبح التضخم المالي فيها، ويؤتي فوائد مزدوجة حقيقية للشعوب الإفريقية.
كما تجسدت المنافع المتبادلة والارباح للجميع في حال التجارة الصينية الإفريقية أيضا. وخلال السنوات الآخيرة، حافظت التجارة الصينية الإفريقية على توازن منح الجانب الإفريقي القدرة على التمتع بفائض قليل.
ويتركز دفع نمو التجارة الصينية الإفريقية بصورة متزايدة في اتجاهين متكاملين: الأول، سعي الجهتين إلى التأسيس لمفهوم بناء مجتمع متناغم في الروابط الصينية الإفريقية، كي تصبح الروابط الصينية الإفريقية نموذجا للعالم المتناغم؛ ما يخلق بيئة سياسية واقتصادية وثقافية جيدة لأجل النمو المتزايد للاقتصاد الصيني الإفريقي والارتقاء بالتجارة الصينية الإفريقية الى مستوى أعلى. والثاني، تطالب التنمية المتواصلة للتجارة الصينية الإفريقية الجانبين بضرورة توسيع المجال التجاري وتعميق اسلوب التعاون والتقدم نحو اتجاه التجارة من حيث الحرية والتسهيلات. هذا يجعل من منتدى التعاون الصيني الإفريقي منصة صحية رائدة يمكن أن تتم من خلالها مختلف أشكال الحوارات التي يتوقع أن تقود قريبا إلى بناء منطقة تجارة حرة صينية إفريقية. فمن المؤكد ان تسجل التجارة الصينية الإفريقية رقما جديدا أعلى في إطار منظمة التجارة العالمية واتفاقات وبروتوكولات التجارة الحرة.
وإذا انتقلنا من الإطار الإفريقي العام إلى الشق الإفريقي العربي الخاص فلابد لنا من التوقف عند القاهرة نظرا إلى كون مصر، أول دولة عربية وإفريقية اعترفت بجمهورية الصين الشعبية، وبادرت إلى إقامة العلاقات الدبلوماسية مع بكين منذ العام 1956؛ ما فتح عهدا جديدا للصداقة الصينية - المصرية، والصداقة الصينية - العربية، والصداقة الصينية - الإفريقية.
وعلى الصعيد التجاري وطبقا لإحصاء سفارة الصين لدى القاهرة، وصل حجم التجارة الثنائية الى 3.19 مليارات دولار خلال العام 2006، بزيادة 48.8 في المئة على اساس سنوي، على حين بلغ اجمالي استثمارات الشركات الصينية في مصر نحو 300 مليون دولار في قطاعات النفط والاتصالات ومرافق الموانئ، الأمر الذي لم يقتصر على توفير الأموال والتكنولوجيا لمصر، وإنما خلق ايضا قرابة 6000 فرصة عمل لها.
وتتوقع إحصاءات وزارة التجارة الصينية أن ينمو حجم التبادل التجاري بين البلدين كي يتجاوز هذا الحجم 5 مليارات دولار بحلول العام 2010.
ويبدو أن القاهرة تدرك آفاق تنمية العلاقات التجارية مع بكين ومستقبلها، فوجدناها تتخذ اجراءات فعالة لتعزيز الاستثمارات الثنائية. فعلى سبيل المثال، أقامت وزارة التجارة والصناعة المصرية مكتبا استراتيجيا صينيا في اكتوبر/ تشرين الثاني الماضي، وشجعت الشركات المصرية على استكشاف السوق الصينية، وبدأت خطوات أخرى من شأنها أن تدعم التجارة الثنائية.
كل هذه الأرقام تشير نحو مستقبل زاهر للعلاقات التجارية الصينية الإفريقية، وتشكل تهديدا مباشرا للوجود الغربي في القارة السمراء الذي يئن تحت طائلة تاريخ استعماري مشين، وجشع تقليدي لم يعد يقبله منطق العصر حتى قوانينه.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1730 - الجمعة 01 يونيو 2007م الموافق 15 جمادى الأولى 1428هـ