اخترت أن يكون عنوان مقالي لهذا اليوم شيئا من كلمات الإمام علي (ع) أبي الفصاحة والبلاغة ولسان حال الفقراء وعون الضعفاء؛ فكلامه لا يحتاج إلى تفسير أو تحليل. فالكلمات تفصح وتعبّر عن نفسها بنفسها، ولكنه يحتاج إلى فسحة من التأمل والنظر، وما أروعه حينما عبّر ذات مرة عن الفقر في الوطن بأنه حال من حالات الغربة وما أقسى على الإنسان أن يعيش الغربة والابتعاد عن هواء الوطن والأقسى حينما يشعر بالغربة وهو في أحضان بلده وبين أهله وبين ناسه وهو لا يستطيع أن يتنفس عبق هواء بلده الذي ولد وترعرع فيه، والحال المعيشية هي أكبر منغص من منغصات الحياة على الغريب في غربته والوضع الاقتصادي لحال الفقر المدقع قادر أيضا على الإفصاح عما تبقى من غموض، فالأوضاع المعيشية باتت حقائقَ لا تحتاج إلى دليل لإثباتها.
أحد القراء علّق على أحد الموضوعات التي تتعلق بالإصلاح المعيشي، والتي كتبتها سابقا وتعد حالا من حالات الإحباط واليأس ومثله كثر، فنحن نسمع جعجعة كل يوم ولا نرى طِحْنا ومازلنا نحلم باليوم الذي نجد فيه الطحين لنأكل منه الخبز.
«يبدو أن الحكومة غير جادة في تحسين المستوى المعيشي للمواطن وهذا ليس تحاملا أو إنكارا لما تقوم به الحكومة من مشروعات على أصعدة أخرى ولكن من خلال الممارسة إذ نسمع منذ سنوات أن المواطن هو الثروة الحقيقية وتحسين المعيشة بالنسبة إلى الحكومة الهاجس الأول ولكن على الأرض والواقع لا شيء مما يقال. ويبدو ذلك جليا من خلال شكاوى الناس وتذمرهم وعدم قدرتهم على شراء حتى المواد الأساسية وركود السوق ونحن نعلم أن الحكومة إذا أرادت أن تحسن المستوى المعيشي فهي تستطيع بدليل ما نراه من مشروعات ضخمة تقام في البلد وتكلف الدولة أضعاف ما ستضعه لتحسين المستوى المعيشي. كل ذلك يتم في لمح البصر باجتماع أو اجتماعين لإضفاء الصفة القانونية عليه ثم يبدأ العمل فيه ولكن حينما يأتي الدور على المواطن وهو أساس هذه الثروة يأتي الرد: لابد من التريث، والسجال الطويل بين النواب والحكومة وتكثر الاجتماعات والمشاورات وفي الأخير نخرج صفر اليدين لنعيد الكَرَّة ثانية والسبب في اعتقادي إبقاء حال المواطن على ما هي عليها والتفسير ليس لدينا وإنما عند الحكومة؛ لأن الناس قالوا ما عندهم فإذا لم يستمع الطرف الآخر لما قالوا وجب عليه الرد وإقناع الناس».
«لماذا لا تستجيب الحكومة لطلبهم بتحسين المستوى المعيشي؟ هل هناك أشياء لا يراها المواطن الذي يرى العمارات والبنايات الشاهقة وهو لا يستطيع شراء مستلزماته الأساسية فضلا عن الكمالية؟».
إذا أمعنا النظر في وجهة نظر القارئ الكريم لوجدناها تعكس واحدة من الحالات الواقعية والحقيقية وإذا تأملنا جيدا في التشخيص فسنجد أن هناك حالا من الغربة في الوطن يعيشها البعض وتعكسها تلك السطور القليلة السابقة من خلال قلم أحد القراء الأفاضل تلك التي عبر عنها الإمام علي (ع) بأنها حال الفقر في الوطن والتي تعبر عن غربة وأيما غربة؟ فهي أشد وقعا على النفس والقلب، على حين هناك من هاجر إلى بلدان أخرى قاصدا الرزق وتحسين الوضع المعيشي الذي لم يتحصل عليه طالما بقي في بلده، فاستطاع أن يجمع ثروة أو استطاع بتوفيق من الله تعالى أن يحسّن من وضعيه المعيشي والاقتصادي، وأبعدت عنه حال الغربة وتوافرت لديه حال الوطن.
الآن بات من المؤكد ومن خلال معايشة الأوضاع المعيشية والحياتية لحال الكثير من الأسر البحرينية يتضح أن هناك أعدادا مهولة من حالات الغربة التي تنتظر انفراجا إصلاحيا اقتصاديا لتعود إلى أحضان وطنها، وتطوي حال الغربة، والسؤال المُلِح: هل يا ترى ستطول حال الغربة على من يعايشها ويكابدها؟ والأقسى حينما يتنفس هواء وطنهم أن هناك فسحة أمل تراود وتلاعب أحلامنا ولا شيء على الأرض أو يلوح في الأفق.
في عيد العمال - الذي لم يكن سوى يوم يحتفي فيه العمال بالإعلان عن مطالبهم يجولون الشوارع ويرفعون اللافتات المعبرة عن أحلامهم ومطالبهم - لم يكن في مضامينه الحقيقية عيد بكل المقاييس والأبعاد فالعيد له دلالات أعمق على النفوس ليس مجرد مفهوم يتم تداوله، ولم يكن كذلك وكنا قد تمنينا فعلا أن يكون لنا عيدا من خلال تحقيق بعض المطالب العمالية كزيادات غير معهودة أو «بونس» أو مكافآت مالية لكل الموظفين سواء في القطاع العام أو الخاص، لكان فعلا عيدا ترتسم البسمة على كل شفاه، وتدخل الفرحة كل بيت. ولكن ما حدث أن خرج العمال في مسيراتهم بمطالب ورجعوا بخفي حنين.
العنوان العريض للعام 2007 هو تحسين الأوضاع المعيشية فهل لها أن تتحقق من خلال المطالبات؟ بمعنى آخر الإعلان عن حالات الغربة التي يعايشها البعض، والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة، هل الغربة قائمة؟ أم ستظل جهودا مبعثرة غير مكللة بالنجاح؟ وعلى الجانب الآخر هل تتوافر الجدية التامة لدى الحكومة لتحقيق المطالب الشعبية؟ أم أن إقرار موازنة 2007-2008 جاءت لتسرق الأمل من نفوس المواطنين المتفائلين وبالتالي لا عودة إلى الوطن والبقاء محاصرين خلف أسوار الغربة؟
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1730 - الجمعة 01 يونيو 2007م الموافق 15 جمادى الأولى 1428هـ
مسلم
هل الامام على اهتم بكونه فقيرا او عنيا وهل قصد بكلمة الوطن مكة -السعودية ام الوطن العربى ام المسيحى ربنا يسامحكوا