بعد شهر من المساومة والمماحكة، أعلنت تزيبي ليفني، التي تم تعيينها لتخلف رئيس الوزراء الإسرائيلي المغادر إيهود أولمرت، الأسبوع الماضي أنها لم تتمكن من تشكيل حكومة تحالف تدعم حكمها. «ليقم الشعب باختيار زعمائه»، قالت بدلا من ذلك، مناشدة إجراء انتخابات مبكرة من المرجح أن تحصل في فبراير/ شباط المقبل. وصف معظم المراقبين قرارها بأنه ضربة كبيرة للسلام. يرسل عدم قدرة ليفني تشكيل حكومة تحالف أكثر من مجرد رسالة الانتخابات العاجلة. فهو يخبرنا أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد يفتقر لشريك في السلام مع الحكومة الإسرائيلية.
يملك النظام السياسي الإسرائيلي سمعة سيئة بأنه نظام معقد يشوبه عدد كبير من الأحزاب الصغيرة الأمر الذي يمنع بفعالية أي حزب واحد من الفوز بغالبية في عدد مقاعد الكنيست البالغ 120 مقعدا. وحتى يتسنى لأي حكومة أن تبقى، يتوجب أحيانا إيجاد تحالف غير مستقر من الأحزاب الصغيرة التي لا تشترك معها بالضرورة بأمور كثيرة. وهذا يتطلب تضحيات من جانبها للحفاظ على عدد قليل ثمين من المقاعد.
نجح حزب رئيس الوزراء أولمرت (كاديما) العام 2006 ببناء تحالف ضم حزب العمل، وهو حزب وسطي يساري كبير، وحزب شاس، وهو فصيل يميني متطرف باثني عشر مقعدا. هذه المرة، وافق حزب العمال مرة أخرى على الانضمام إلى التحالف الجديد. من ناحية أخرى طالب شاس بزيادة كبيرة في الموازنة قدرها مليار شيكل (261 مليون دولار) مقابل دعمه. إلا أن الأمر الأكثر خلافية هو أنه طالب بضمانات بألا تبحث ليفني مستقبل القدس في محادثاتها مع المفاوضين الفلسطينيين. كما تبعت أحزاب أخرى صغيرة مثل حزب المتقاعدين ويهودية التوراة المتحد خطى شاس، تاركة ليفني من دون أمل يذكر في إشراكهم كحلفاء محتملين. كذلك رفض حزب اليمين الليكود الانضمام إلى التحالف، وقد رفض زعيمه الحالي، رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو بشكل واضح اتفاقية أنابوليس برّمتها لصالح برنامج اقتصادي تنموي مشترك في النواحي التي تتلاقى فيها حدود «إسرائيل» وفلسطين. وتبقى لاءاته الثلاث سيئة الذكر قائمة: لا انسحاب من مرتفعات الجولان، ولا بحث لوضع القدس، ولا مفاوضات ضمن أية شروط مسبقة.
يملك أعضاء الكنيست الإسرائيلي في النظام السياسي الإسرائيلي المعقد، عمليا، 21 يوما ابتداء من 29 أكتوبر/ تشرين الأول لترشيح عضو من الكنسيت يعتقدون أن بإمكانه تشكيل حكومة تحالف. وغني عن القول أنه إذا لم تستطع ليفني فعل ذلك فمن المشكوك فيه أن أحدا غيرها يستطيع. ولكن يجب اعتبار ذلك احتمالا بالطبع. وبذلك تفرض السيناريوهات التالية المحتملة نفسها، وجميعها غير مقبولة أو مستساغة لدى الفلسطينيين. إما أن يحكم «إسرائيل» تحالف غير مستقر من شركاء غير مستعدين لن يقوموا ببحث وضع القدس، وهذه واحدة من القضايا الرئيسية في قلب مستقبل السلام الإسرائيلي الفلسطيني، أو تجرى انتخابات سريعة يفوز بها على الأرجح واحد من الاثنين، كاديما أو الليكود.
على الرغم من ذلك فإن تسعين يوما في السياسة وقت طويل، وقد يتغير الكثير على الجبهة الإسرائيلية المحلية. في غياب تحول كبير لصالح أحزاب اليسار، سيتوجب حتى على ليفني الفائزة أن تعتمد على دعم اليمين أو المجموعات المحافظة دينيا.
لسوء الحظ أن معظم هؤلاء يعارضون بشدة إيجاد دولة فلسطينية وإعادة القدس الشرقية المحتلة إلى الفلسطينيين. وإذا فاز الليكود فإن نتنياهو سيحصل على دعم هذه الأحزاب اليمينية بسهولة، ولكن بالطبع، فإن تجمع هذه الأحزاب لن يواجه ردا إيجابيا أو آمِلا من جانب الفلسطينيين.
كذلك أثّرت الشئون الفلسطينية على نتائج الانتخابات الوطنية الإسرائيلية من قبل، فقد ناقش الكثيرون أن نصر نتنياهو الصقوري ضد شمعون بيريز الذي يبدو حمائميا العام 1996 في الانتخابات الوزارية حصل على دعم حماس من خلال التفجيرات الانتحارية، مقابل الردود الإسرائيلية على شكل اجتياحات وعمليات اغتيال. من المرجّح أن تحوّل الزعزعة المتزايدة في فلسطين الرأي العام الإسرائيلي إلى اليمين بشكل متزايد. وكما هو الحال دائما يجرى أحيانا تجاوز الانتهاكات عندما يقف المرء في ظلال الخوف.
إلا أنه في هذه الأثناء، وعلى رغم الشكوك التي تبعت نداء ليفني إجراء انتخابات جديدة، يدفع الفلسطينيون قدما في محادثات الوحدة بين الفصائل الفلسطينية، وخصوصا هدنة فتح وحماس التي مازالت مستمرة. كما تم نشر القوات الأمنية التابعة للرئيس الفلسطيني محمود عباس في العديد من المدن الفلسطينية الكبرى وآخرها الخليل. تحاول هذه القوات تعزيز الاستقرار والوضع الأمني، وحرمان حماس من إمكانات بسط سيطرتها في الضفة الغربية.
من المأمول به أن يستمر الفلسطينيون في هذا الاتجاه. إذا لم يفقد حزب العمال أرضا كما هو متوقع، وإذا تمكنت ليفني، بقوتها الشخصية، من إقناع الجمهور الإسرائيلي بانتخاب حزبها، فقد يستطيعون أن يحولوا الديناميات بشكل كافٍ لإعطاء أمثال حزب شاس واليهودية التوراتية المتحدة سلطة أقل للمطالبة بتنازلات كهذه من الأحزاب الكبرى.
السلام هو النتيجة المقبولة الوحيدة لهذا النزاع، ولن تنفع ليفني كشريكة. كما قال المفاوض الفلسطيني صائب عريقات «نحن لا نريد صنع السلام مع فصيل واحد فقط في (إسرائيل). نحن نريد السلام مع جميع الإسرائيليين».
*محللة وباحثة في مفتاح MIFTAH، عملت في السابق مخرجة مساعدة في أخبار إم بي سي/ العربية، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2259 - الثلثاء 11 نوفمبر 2008م الموافق 12 ذي القعدة 1429هـ