موضوع اليوم في مدرسة ريفية تقع على بعد 150 كيلومترا عن الدار البيضاء في المغرب هو الحماية البيئية. علينا أن نحافظ على الأشجار والنباتات، تشرح المعلمة، وليس فقط لأنها توفر الظلال وإنما علينا احترامها لأنها جزء من خلق الله تعالى. للتأكيد على هذه النقطة تقتبس المعلمة حديثا شريفا للنبي محمد (ص). ينصت الطلاب بتركيز وإمعان.
الإسلام كقاعدة للحماية البيئية والحفاظ على الموارد الطبيعية؟ ليس هذا التوجه جديدا في مساعي التنمية، فقد قامت الكثير من المنظمات التنموية بإدخال القيم الدينية والشخصيات المرجعية في عملها اليومي منذ عقود كثيرة، ونجحت في ذلك بشكل جيد.
ويرى العضو المؤسس لمنظمة الإغاثة المسيحية المسلمة «الخوذ الخضراء» أيمن مازاك ان التعاون مع الهياكل الإسلامية على أنه أمر اعتيادي يومي. بالطبع يتوجب أن يكون عندك اتصال مباشر مع الشخصيات الإسلامية المحلية المسئولة، إنهم يتمتعون بالاحترام الشديد» يقول مازيك. «ومن المفيد كذلك إذا كان بعض عمال الإغاثة يملكون المعرفة بالممارسات الإسلامية المحلية. ولكن عموما الأمر الأهم من الالتزام الديني أو المعرفة المعمقة بالدين هو مؤهلات الشخص الفنية وقدراته الاجتماعية».
العمل الاجتماعي الذي يتمتع بالحساسية تجاه الإسلام ليس اختراعا جديدا، وحقيقة أن القضية يجري بحثها بعمق أكبر هذه الأيام يعود إلى الوضع السياسي العام.
«بعد الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول العام 2001، ازداد الحوار بشدة عن الإسلام،» تقول روث بيغالك الخبيرة في مجال الإسلام في إفريقيا الشرقية. «وطبعا أصبح ظاهرا أنه على رغم الكثير من العمل الذي تم في أميركا اللاتينية مع الكنائس على سبيل المثال، فقط كانت هناك دائما تحفظات بشأن العمل مع المنظمات الإسلامية».
في السنوات الأخيرة ساعدت روث بيغالك على إنشاء مركز استشاري داخلي في الجمعية الألمانية للتعاون الفني (GTZ) لمخاطبة موضوع الإسلام.
«إلا أن وجود هذه التحفظات ليس أمرا مناسبا، ببساطة، في إفريقيا الشرقية» تقول العالمة الشابة التي تعمل الآن في وزارة التنمية الفيدرالية (BMZ). «المحافظة على خلق الله والعدالة الاجتماعية والعطف على الضعيف - جميع هذه الأمور هامة ليس فقط في المسيحية وإنما كذلك في الإسلام».
في مالي شاهدت روث بيغالك رجال الدين المسلمين يحتجون علنا ضد استثناء المرضى بالإيدز، باسم التعاطف الإسلامي. وتذكر كذلك أنه في موريتانيا يعمل القادة المسلمون حاليا على وضع قانون يمنع تشويه أعضاء الفتيات التناسلية.
إضافة إلى موجات الصدمة التي نتجت عن الحادي عشر من سبتمبر، أدت عوامل أخرى كذلك إلى أن تركز المنظمات التنموية على الإسلام في التعاون التنموي. بالنسبة للمنظمات الكنائسية يعتبر اتهام الدول الإسلامية بأن عملها تبشيري قضية غاية في الأهمية. وهذا يتطلب من المجموعات الكنسية أن تتخذ مواقف حيال ذلك.
ومن العوامل الأخرى أن المنظمات الإسلامية غير الحكومية والأفراد ورجال الأعمال الابتكاريين يعملون بشكل متزايد في مجال التعاون الإنمائي. وتتنافس المصارف الإسلامية ومنظمات الإغاثة الإسلامية والشخصيات المسلمة الغنية في بعض الدول مع المانحين الغربيين.
فالمنظمات الإسلامية أحيانا قادرة أكثر من المجموعات الغربية على الفوز بثقة السكان المحليين. إلا أن دعم منظمات دينية كهذه عن طريق القول بأنها «أهلية» وتتمتع بصدقية أكثر يعرّض لخطر تقوية الطروحات المبنية على الهوية الإسلامية الاستبدادية وتشجيع التيارات غير الديمقراطية.
ومن العناصر الأخرى تزايد قوة الحركات والمجموعات الإسلامية السياسية في الكثير من الدول المسلمة.
المثال الأوضح الذي برز حديثا هو فلسطين. بعد فوز حركة حماس الإسلامية بانتخابات العام 2005 تم سحب الإغاثة الغربية لفلسطين. وتقول روث بيغالك إنها لن تدعم التعاون المباشر مع حماس.
ولكن من ناحية أخرى، من المستحيل تجنب العمل مع الممثلين الإسلاميين في فلسطين لأنهم من صناع القرار في البرلمان وفي المجالس البلدية المسؤولة عن إنشاء كافة الخدمات، من أنابيب الماء وحتى المستشفيات. «الإسلاميون حركة تمثل التيار العام» تقول بيغالك. «القول بأننا سنتعاون فقط مع النخبة العلمانية هو العمل ضد أهدافنا وعدم السماح بفرصة لتحقيق تأثير أوسع».
بمعنى آخر، العودة إلى القضية التي انطلقنا منها: السور القرآنية مفيدة بالتأكيد في زيادة وعي طلاب المدارس العرب والمسلمين بالبيئة.
ولكن عندما يعود الأمر إلى الحفاظ على المَوَاطِن الطبيعية أو مواجهة هؤلاء الذين يسيئون إلى البيئة فإن الأمر الوحيد الذي يحقق نتائج في دول مسلمة مثل المغرب هو القوانين الصارمة وتنفيذها من قبل رجال الشرطة.
معرفة أفضل بالإسلام لا تضر بالتأكيد. ولكن حتى يتسنى لمشروعات التنمية أن تنجح فإن هذا النوع من «الحساسية بالإسلام» محدود في فائدته.
* كاتبة مستقلة مركزها ألمانيا والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1729 - الخميس 31 مايو 2007م الموافق 14 جمادى الأولى 1428هـ