العدد 1728 - الأربعاء 30 مايو 2007م الموافق 13 جمادى الأولى 1428هـ

تصوُّر الديمقراطية الإسلامية

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

يُنظر إلى الإسلام أحيانا على أنه تهديد كامن لعملية تبنّي الديمقراطية، وتنزع التبريرات لوجهة النظر هذه؛ لأن فكرة أن الإسلام لا يوجد فيه فصل بين السياسة والدين مازلت تتكرر حتى الغثيان.

في الغرب، أبرزت السياسة - التي ترتكز على الحقوق الفردية (مقارنة بالصالح العام) والدين المستقل عن الدولة - انتصار الرؤية التحررية للذات داخل الساحة العَلمانية العامة. لم تظهر حركة مماثلة في العالم المسلم. قد يكون من المغري إذا الأخذ في الاعتبار غياب هذا التطور كإثبات على أن العقلية المسلمة تقاوم بطبيعتها العَلمانية جملة وتفصيلا.

ليس هناك من دولة في العالم المسلم اليوم لا تعد الإسلام عنصرا تأسيسيا للوحدة الوطنية. الإسلام في العالم المسلم إما دين للدولة وإما موجود تحت سيطرة الدولة حتى في الدول العَلمانية ظاهريا كتركيا أو العراق تحت حكم صدام حسين. لذلك فإن الدولة هي دائما تقريبا العامل الأولي المسئول عن التفسير المرجعي للتقاليد. نتيجة لذلك فقد الفكر الإسلامي نشاطا معينا ليس فقط في أمور الحكم وإنما كذلك فيما يتعلق بقضايا الثقافة والمجتمع. وهكذا، ليس الأمر هو أن ما يسمى «العقلية المسلمة تملك مقاومة طبيعية للتفكير النقدي» وإنما أن التحليل والحكم طالما كانا امتيازا محتكرا من قِبل السلطات السياسية. ومن العوامل الأخرى التي تؤثر على العلاقة بين الإسلام والديمقراطية العَلمانية وجهة النظر السائدة حيال العلاقات الدولية، التي تصوّر الإسلام والغرب قوتين متضادتين. وهذا يشكل عقلية حصارية بين المسلمين ويحوّل الإسلام إلى أداة للمقاومة السياسية. وهكذا أصبح الطرح الديني عنصرا رئيسيا في اللغة المستخدمة في أوقات الحرب، وهي حقيقة ثبتت من خلال الادعاءات الدينية التي أطلقها صدام حسين، الواضح العَلمانية عادة، أثناء حرب الخليج العام 1990.

وقد يبدو الأمر موهما للتناقض ولكن المسلمين في الواقع يمتدحون الديمقراطية على أنها أفضل الأنظمة السياسية. فقد أظهرت الكثير من الاستطلاعات المتنوعة في السنوات الأخيرة أن المسلمين يرغبون في العيش في مجتمع ديمقراطي، فهم يشجعون الانتخابات الحرة وحرية التعبير وحقوق الإنسان. في الوقت نفسه يعترف المسلمون بالأهمية التي تمثلها الشريعة في حياتهم. وهنا يحصل سوء التفاهم أحيانا بين المسلمين وغير المسلمين عند مناقشة الديمقراطية. فالشريعة لا تشير هنا إلى القوانين الفعلية وإنما إلى مجموعة من المبادئ والقواعد الأخلاقية التي ترشد المسلمين في خياراتهم الشخصية والاجتماعية.

ويبرز التناقض الوهمي نفسه بالنسبة إلى المسلمين الذين يعيشون في أنظمة ديمقراطية غربية عَلمانية. فالهجرة المسلمة إلى أوروبا والولايات المتحدة توفر انفلاتا من القبضة الفولاذية للدول المسلمة على التقاليد الإسلامية. ويمكن لهذا التحرر أن يأخذ أشكالا مختلفة ومتنوعة وتنتج منه نتيجتان تدعوان إلى الاستغراب. الأولى أن معظم المسلمين الذين يعيشون في الولايات المتحدة وأوروبا يعترفون بالطبيعة الديمقراطية والعَلمانية للدول التي يقيمون فيها ويحترمون تلك الطبيعة. وباستثناء بعض المجموعات الهامشية مثل «المهاجرون» في المملكة المتحدة، ليست هناك محاولة حقيقية من قِبل المسلمين في الغرب لتغيير الأنظمة السياسية الغربية وإنشاء دول إسلامية مكانها. والثانية هي أن المسلمين في الغرب يضعون مفاهيم الشريعة ويستخدمونها قانونا أخلاقيا شخصيا بشكل متزايد.

إلا أن هذا لا يعني أن جميع التشنجات والتوترات تختفي. فمجالات النزاع المستمر بين تفسيرات الشريعة والمعايير الاجتماعية للديمقراطيات العَلمانية تضم العائلة ووضع المرأة في الزواج والطلاق وتعليم الأطفال. المحكمة المدنية هي الآن أهم منبر يطالب المسلمون من فوقه بالاعتراف بالخصوصية «المسلمة» التي لا تؤخذ بالاعتبار في القانون المدني السائد في الغرب.

تنعكس هذه الحركة ثنائية الولاء للدولة الديمقراطية العلمانية، وفي الوقت نفسه الإصرار على أهمية الدين على المستوى الشخصي في الاستطلاع الذي أجري حديثا من قِبل مؤسسة غالوب بين المسلمين في باريس ولندن وبرلين. فغالبية المسلمين الذين جرى استطلاعهم يمتدحون الوطن والدولة التي يعيشون فيها وفي الوقت نفسه يعلنون أن الدين له أهمية كبرى عندهم. وهم في هذا المعرض يختلفون عن غالبية مواطنيهم غير المسلمين، الذين أجابوا أن الدين لا يحمل أية أهمية بالنسبة إليهم.

وقد يكون هذا الوضع مزعجا بالنسبة إلى المراقبين الغربيين. الأهم من ذلك أنه يعكس توجها يتوجب على صانعي القرار والعلماء أخذه في الاعتبار. لن يكون في الإمكان تطبيق نموذج غربي للديمقراطية يرتكز على تهميش الدين أو رفضه في المجتمعات المسلمة. فالمسلمون يريدون أن يكونوا ديمقراطيين بشروطهم الخاصة، وهذا يعني بالنسبة إلى المسلمين الذين يعيشون في كلٍّ من الغرب والمجتمعات ذات الغالبية المسلمة أنهم يريدون أن تكون المعايير الدينية واضحة في حياتهم الشخصية اليومية. إضافة إلى ذلك يعني هذا أن أفراد المجتمعات الديمقراطية ذات الغالبية المسلمة يريدون النماذج والمعايير الدينية أن تنظّم الحياة الاجتماعية العامة.

ويثير هذا قلقا مشروعا بشأن الاعتراف بالأقليات الدينية الأخرى وحرياتها داخل نظام اجتماعي تسيطر عليه المرجعيات الإسلامية. فمن بعض النواحي قد تعكس الديمقراطية الأميركية - أكثر من الأوروبية - العناصر الرئيسية للديمقراطية الإسلامية: سيادة الشعب، الفصل بين الكنيسة والدولة والاعتراف الاجتماعي السياسي بأهمية الأديان بالنسبة إلى الأفراد من المواطنين والحياة الاجتماعية العامة.

من الحاسم والحيوي أن يعترف السياسيون والمفكرون الغربيون بعمليات التحديث وإدخال الديمقراطية التي تشتمل على مرجعيات إسلامية، على حين تسعى إلى حماية الأقليات الدينية والثقافية وضمان حرية التعبير. من المستحيل - في غياب هذه الإجراءات الوقائية - تصوُّر أية ديمقراطية، إسلامية كانت أو غير ذلك.

*أستاذة مشاركة زائرة في الدراسات الإسلامية بجامعة هارفرد ومديرة برنامج الإسلام والغرب هناك، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 1728 - الأربعاء 30 مايو 2007م الموافق 13 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً