كان تأسيس الحرس الوطني (قوة الدفاع لاحقا) في العام 1968 بتشكيل النواة الأولى بإشراف مجموعة من الجيش العربي (الأردني)، وكان هناك استقطابٌ كبيرٌ للمواطنين، ولكن على رغم ذلك فإن العدد الذي انضم مع البدايات الأولى لتأسيس «قوة الدفاع» قليلٌ. وكان لأبناء أهل السنة والجماعة نصيب الأسد في هذا التشكيل لظروف اجتماعية ونفسية وغيرها... ليست الطائفية طرفا فيها البتة لا من قريب ولا من بعيد، إذ الوعي الطائفي - في تلك الفترة - كان منتحيا جانبا جراء تزايد الوعي القومي الذي يحل في العادة - كما هو في سائر الأقطار - بدلا من المحدد الأساسي للفرد؛ الأسرة والقبيلة، الطائفة والدين... إلخ من محددات وأطر اجتماعية أولية للفرد. إضافة إلى ذلك، فقد اجتهدت السلطة بسبب الحوادث السابقة التي مرت بها البحرين، قبل تأسيس القوة، وهي الأمر الأخطر - من وجهة نظري كانتفاضة مارس/ آذار 1965 المجيدة - بالقيام بتأسيس القوة وعسكرة «أبناء أهل السنة والجماعة». وهي التي نعني بها هنا بمفردة «العسكرة».
مرت «قوة الدفاع» بعدة تطورات لاحقة، ولعل الأكبر هو إعادة تسميتها وهيكلها لقوة دفاع البحرين بعد أن كان «الحرس الوطني»، وكذلك كان التطور ملاحظا وغير مسبوق فيما يخص تشكيلاتها اللاحقة، وكان ومازال هدفها الأساس هو القيام بواجبات الشرف في الدفاع عن حياض الوطن والذود عن ترابه، إذ الحرب الهجومية محرمة في الدستور البحريني، وبالتالي تم تطوير «القوة» ناحية تحقيق هدف «الدفاع».
كان لأبناء أهل السنة النصيب الأكبر، للأسباب التي جاءت في صدر المقال، وبالتالي فإن «العسكرة» كان لها أثر كبير على عصب أساسي في المجتمع البحريني كان من الممكن أن يرفد الحياة الاجتماعية والاقتصادية، والأهم السياسية، بالكثير من العناصر والكوادر التي كان من الممكن أن تساهم في الوعيين السياسي والحقوقي بشكل أكبر بكثير مما هو ماثل أمامنا اليوم.
إن الأثر الأساسي والمباشر لعسكرة «السنة» هو الجاري على الجانبين السياسي والحقوقي. ومن غير الممكن النظر إلى أسباب انزواء أهل السنة والجماعة في البحرين عن المساهمة في الحراك السياسي بمعزل عن أثر العسكرة المباشر على هذا العصب المهم للمجتمع السياسي في البحرين.
إذا، إن الأثر المباشر لعسكرة السنة هو انزواء أهل السنة والجماعة، طوعا أو قهرا، ثم التقوقع على الذات والبحث عنها في قصص و «حزاوي» تاريخية مرت بالتاريخ المعاصر للبحرين، منذ مطلع القرن كحوادث الغواصين الثوار وحركة المجاهد عبدالوهاب بن حجي الزياني، ثم حوادث عمال النفط في العام 1938 وبعدها الهيئة من العام 1954 إلى 1956 وتاريخها العريق، وصولا إلى مارس 1965 المجيد. من هذا المنطلق، تكون المسئولية مضاعفة، على الكتّاب والمثقفين - وتحديدا من يعيشون الأزمة أو طرفا منها - لرفع منسوب الوعيين السياسي والحقوقي لدى هذا القطاع العريض من المجتمع البحريني، وخصوصا أنه مشارك في العملية السياسية، وخصوصا مخرجاتها التشريعية.
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 1727 - الثلثاء 29 مايو 2007م الموافق 12 جمادى الأولى 1428هـ