على رغم أن بعض ما قاله عدد محدود من أعضاء مجلس الشورى لم يكن متوقعا، فإن تمرير مجلس الشورى بالغالبية أمس الأول مقترح قانون تنظيم الصحافة والطباعة والنشر يُعد انتصارا لحرية الكلمة في البحرين. ولكنّا لو دققنا في الأمر فسنجد أن مجلس الشورى كان قد طرح المقترح ذاته في مطلع 2004 (قبل أكثر من ثلاث سنوات)، وردت الحكومة بطرح مشروع قانون آخر، وأدى التضارب بين الطرحين إلى تجميد العملية التشريعية في مجلس النواب.

المحك إذا الآن بيد مجلس النواب، والنواب سيتمكنون من التعامل مع الموضوع بشكل مختلف إن أرادوا، ولكن أملنا في ألا يتكرر ما حدث في المرة الماضية، إذ كان مجلس الشورى أفضل من الحكومة، والحكومة أفضل من مجلس النواب بالنسبة إلى التعامل مع حرية التعبير. هذه التناقضات لا تُعد مؤشرا حسنا؛ لأنها تقول للعالم إن المُنتَخَبِين أقسى على حرية الرأي من المُعَيَّنِين ومن الحكومة... ونأمل فعلا في أن يميز مجلس النواب نفسه هذه المرة وينتصر لحرية الكلمة.

إن القانون الحالي (قانون 47 لسنة 2002) يتعامل مع الصحافي كما يتعامل القانون مع المجرمين، ويجيز جرجرة الصحافيين إلى المحكمة الجنائية الكبرى (على حين يُحَاكَم عددٌ من المتهمين بالقتل في المحكمة الجنائية الصغرى)، ومن المفترض أن القضايا الصحافية لا تكون جنائية، وإنما «مدنية» يتم الاستماع إليها في المحاكم المدنية... ثم إن القانون الحالي يضع الثقل كله على رئيس التحرير، إذ يَعُدُّه مسئولا عن أكثر من 100 ألف كلمة تنشر يوميا، ويفترض أن رئيس التحرير قرأ كل عشرات الآلاف من الكلمات وهو مسئول شخصيا عن كل شيء.

إن القانون الحالي يجيز سجن الصحافي، وهو أمر لا تفعله المجتمعات المتحضرة، فالصحافي صاحب رأي، وصاحب الرأي لا يُسجَن. بعض أعضاء مجلس الشورى التبس عليهم الأمر، وقالوا إن عدم سجن الصحافي يُعد تمييزا، ولكن الموضوع ليس هكذا... فعضو البرلمان لا يمكن سجنه إذا تحدث داخل البرلمان، ولكن يمكن محاسبته بأساليبَ أخرى. الصحافي كذلك لا يمكن سجنه فقط لأنه عبّر عن رأيه، كما أن النشر من خلال الصحافة يُعد الشريان الحيوي للشفافية التي يتطلع إليها أي مجتمع يسعى إلى تعزيز كرامته ومكافحة الفساد السياسي والإداري والمالي. الكرة في ملعب مجلس النواب، وأملنا في أن ينتصروا لحريتهم ولحرية مجتمعهم.