الحديث عن المتقاعدين وأنظمتهم حديث ذو شجون، ليس له بداية وليس له نهاية، بعض هؤلاء يتحدثون عن معاناتهم الطويلة مع هذا النظام، والبعض الآخر ممن لم يتقاعد بعد يتحدث عنه أيضا وعن ضرورة إصلاحه.
الطرف الآخر من المعادلة وهي مصلحة معاشات التقاعد تتحدث هي الأخرى عن نظامها وعن محاسنه وعن مواكبته للتطورات الحاضرة، وكأنها تريد القول إن معظم المتحدثين عن سلبية هذا النظام من المتقاعدين لا يعرفون مصلحتهم.
معالي رئيس المصلحة تحدث في صحيفة «الرياض» وفي عددها الصادر يوم 9 /9 /1427 عن تاريخ نظام التقاعد في بلادنا فقال: إن أول نظام للتقاعد صدر العام 1364هـ ثم أدخلت عليه تعديلات العام 1378هـ وفي هذه السنة أنشئت مصلحة معاشات التقاعد.
واستمر النظام كما هو حتى العام 1395هـ إذ تم تحديث النظام. ثم توقف التحديث منذ ذلك العام عدى وجود بعض القرارات التي تظهر بين آونة وأخرى لمعالجة بعض الحالات الطارئة.
ومن هنا وبحسب قول رئيس المصلحة نعلم أن التحديث توقف منذ نحو 32 عاما إلا في بعض الحالات الطارئة، مع أن كل من يعيش في بلادنا يعلم حجم التغيير الذي حدث في هذه السنوات والذي أثر كثيرا على كل المتقاعدين فأصبح بعضهم لا يستطيع أن يعيش كريما - بل ولا غير كريم - بدخله الشهري الذي تدفعه له المصلحة.
هؤلاء المتقاعدين الذين خدموا بلادهم وقدموا لها أفضل سنوات عمرهم لم تر المصلحة أهمية لتحديث نظامها ليواكب احتياجاتهم الضرورية وبقيت متمسكة بنظامها القديم وكأن هذا النظام لم يوضع أساسا لخدمة هؤلاء المتقاعدين وكل من يتقاعد بعد ذلك.
معالي رئيس المصلحة وفي العدد نفسه من صحيفة «الرياض» قال: «إن الشئون القانونية في المؤسسة قامت باستطلاع الكثير من الأنظمة المطبقة في العالم خصوصا في الدول المتماثلة مع أنظمتها وتبين أن أنظمة التقاعد بالمملكة تتميز عن هذه الأنظمة بأمور كثيرة».
وقفت طويلا عند «الدول المتماثلة مع أنظمتها» وكنت أتمنى من معاليه أن يسمي لنا بعض هذه الدول التي ذكر أن نظام مصلحتنا أفضل من أنظمتهم... ثم أليس من اللافت للنظر أن يذهب القانونيون إلى دول تتشابه أنظمتها مع أنظمتنا؟
ماذا سيتفيدون من أنظمة تلك الدول مادامت متشابهة مع أنظمتنا؟ ربما سيقولون نحن أفضل من غيرنا ولله الحمد!
كنت أتمنى أن يرسل هؤلاء إلى دول تتماثل مع بلادنا في قدرتها المالية، وأن يرسلوا إلى دول تتطور أنظمتها باستمرار مثل أوروبا أو أميركا ليروا كيف تعامل هذه الدول متقاعديها، ثم ليجعلوا في بلادنا أنظمة تتشابه مع أنظمتهم.
لقد ذكر في كلام معاليه بما فعلته لجان الفقر في بلادنا - بالمناسبة لم أعد أسمع عنها شيئا - لقد ذهبت لجان الفقر - كما قال مسئولوها آنذاك - إلى دول فيها فقراء كثر مثل اليمن وبعض دول إفريقيا وكانوا يريدون منها تعليمهم عن كيفية محاربتها للفقر! لست أدري من استفاد من الأخر في هذه الزيارات، أهي مصلحة التقاعد أم لجان الفقر، أم أن البحث عن المتشابه في الأنظمة السيئة هو الذي قادهم جميعا للاكتشاف أن أنظمتنا أحسن من سواها قياسا للعينة المختارة!
وفي عدد «الرياض يوم 10 /9/ 1427هـ أكد معالي الرئيس أن هناك بطاقة ستعطى للمتقاعد، ووصف هذه البطاقة بأنها ذات مزايا كثيرة!
كنت أتمنى أن يتحدث معاليه عن هذه المزايا الكثيرة، كما كنت أتمنى أيضا أن لا تتأخر هذه البطاقة كل هذه المدة إلا إذا كانت مزاياها الكثيرة هي السبب في كل هذا التأخير!
كثير من المؤسسات تعطي موظفيها بطاقات ذات مزايا أهمها بطبيعة الحال التخفيضات في الفنادق والمستشفيات ووسائل المواصلات وما شابه ذلك. وهذه البطاقات لا تحتاج إلى وقت طويل لكي يتم تفعيلها.
على أية حال إذا كانت المصلحة ستفعل «الكثير» لمنسوبيها فلا بأس أن ينتظروا أشهرا أخرى فلعل الله أن يصلح حالهم هذه المرة!
مصلحة معاشات التقاعد تحدثت كثيرا عن مشروعاتها المستقبلية مثل إيجاد إسكان لموظفي الدولة، وكذلك مركز الملك عبدالله المالي ومشروع مجمع تقنية المعلومات والاتصالات، وربما تكون هناك مشروعات أخرى مقبلة.
الشكر للمؤسسة على مشروعاتها الحالية أو التي قد تحدث مستقبلا ولكن لابد أن نسأل: ما هو حجم الفائدة التي ستعود على المتقاعدين من هذه المشروعات؟
وهل الإسكان الذي تحدثت عنه المؤسسة سيكون لهم أم هم شركاء فيه؟
من المعلوم أن أعدادا كبيرة من المتقاعدين ليس لديهم منازل وربما أن رواتبهم لا تكفي لاستئجار منزل مناسب، وهذه الحقيقة يجب أن لا تغيب عن أذهان الذين يتحدثون عن تلك المشروعات.
وبالمناسبة فهناك جمعية حديثة النشأة للمتقاعدين وهذه خطوة جيدة قد يستفيد منها المتقاعدون إذا عمل أفراد الجمعية بجد لخدمة المتقاعدين.
ومن وجهة نظري أن بعض أفراد هذه الجمعية يجب أن يشاركوا بفعالية في قرارات مصلحة معاشات التقاعد وأن يعرفوا حجم الأموال في المصلحة وكيفية صرفها أو استثمارها لأن هذه الأموال - في الأصل - للمتقاعدين الذين يفترض أن الجمعية تمثلهم فمن حق هذه الأموال أن تكون في خدمة أصحابها.
أليس من العيب أن لا يكون للمتقاعدين أماكن ترفيهية مناسبة يجتمعون فيها؟ أليس من حقهم أن توجد هذه الأمكنة في كل مدينة من مدننا؟ أليس من مصلحة هؤلاء أن يلتقي بعضهم بعضا في أماكن مناسبة تليق بهم؟
أليس من المستغرب أن يكون هناك مصرف واحد يتسلم منه جميع المتقاعدين رواتبهم؟ ومعروف أن فروع هذا المصرف قد لا تكون موجودة في كل مكان يوجد فيه المتقاعدون.
صحيح أن المصلحة أعلنت أن هذا الوضع سيتغير ولكن لماذا كل هذا التأخير؟
يتحدثون عن وجود مليون ومئة ألف متقاعد تقريبا وهذا العدد مرشح للزيادة كل عام، ويتحدثون عن أهمية الاستفادة من خبرات هؤلاء - أو بعضهم - ولكن المسألة تبقى في دائرة الحديث وليتنا نسمع شيئا أخر.
وبالمناسبة فإن الموظف في بلادنا يحال على التقاعد بعد بلوغه الستين من عمره، والستون هنا هجرية وليست ميلادية مثل «الدول المشابهة» وبغض النظر عن السن فإني أتفهم أن الإحالة على التقاعد يجب أن يكون لها هدف واضح، فإما أن تكون هناك أعداد من الشباب يراد إحلالهم في هذه الوظائف، أو أن يكون الموظف عاجز عن القيام بعمله بصورة جيدة، ولكن ما المصلحة إذا لم يتحقق شيء من ذلك؟
على سبيل المثال - لا الحصر - فإن عدد أساتذة الجامعات السعوديين لا يمثلون إلا نسبة قليلة من منسوبي الجامعات لاسيما أن هناك جامعات حكومية جديدة وهناك جامعات أهلية أيضا، ومعروف أن الأستاذ الجامعي يصبح في قمة عطائه في هذا السن أو قريبا منها... إذا ما المصلحة من إحالته على التقاعد والتعاقد مع غير السعوديين؟
وما قلته عن الأساتذة الجامعيين ينطبق على الأطباء أيضا والكل يعرف مدى حاجتنا لهم وقلتهم في كل الأماكن الصحية في بلادنا.
أعرف أن المصلحة تطبق للأنظمة ولكن لماذا لا تقترح الأنظمة الجيدة التي ستضاف إلى سجلها أن تحقق منها شيء.
أتمنى أن يكون للمتقاعدين نظرة إيجابية عملية وسريعة فهذه أموالهم ويجب ان تنفق عليهم... وأتمنى أن تكون أحوال إخواننا المتقاعدين في البحرين أفضل من أمثالهم في السعودية.
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 1726 - الإثنين 28 مايو 2007م الموافق 11 جمادى الأولى 1428هـ