العدد 1726 - الإثنين 28 مايو 2007م الموافق 11 جمادى الأولى 1428هـ

الفشوش!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في زيارةٍ سابقةٍ إلى فشت الجارم، فوجئنا بالزميلين محمد العثمان ومحمد المخرق يهبطان البحر، ويخوضان في المياه الضحلة. وسرعان ما تبيّن أنهما يجريان وراء «قبقب»، أو «شرجم بطح»! ويبدو أنه كان عصيّا على الصيد، لكنهما نجحا أخيرا في اصطياده عندما مدّا له فردة حذاء فعلق بها بعد أن أنشب فيها (عضاعيضه)، ربما ظن الحذاء طعما لذيذا! فهذا هو قدر القبقب «الرزيل»... فردة حذاء بالٍ ألقاه اليم على ساحل إحدى جزر فشت الجارم!

«شراجم البطح» أو «القباقب»، أو «سرطانات البحر»، أول من نبّهني إلى سلوكها الغريب النقابي المحرقي عبدالله مطيويع، إذ يقول إنها مخلوقاتٌ جبانةٌ جدا، تختبئ في جحورها الساحلية ولا تخرج حتى يطبق السكون التام، فإذا سمعت همسا أو حفيفا عادت مذعورة إلى جحورها وهي تنتفض من الخوف!

هذا السلوك الحيواني نجده لدى بعض ضعاف النفوس، الذين يجبنون عن مواجهة حقائق الحياة، ويزيد على ذلك ما يقتلهم من طمعٍ وجشعٍ شديدين، يتكالبون على حطام الدنيا، وهم مستعدون أن يبيعوا كل معاني الشرف ويتاجروا بكل معاني الوطنية، بعد أن اختصروها في المنفعة الشخصية. فترى مواقفهم دائماَ مع مراكز المال والقوى المتنفّذة في المجتمع.

هؤلاء «الباعة الجائلون» مستعدون لأن يبيعوا الحكومة ما تريد اليوم، ومستعدون أن ينقلبوا عليها لو قلّ في يدها المال. ولأن المسألة لا يمكن بلعها بهذه الطريقة المباشرة، فلا بد لهم من أن يغطّوا تقلباتهم وسوءاتهم بأغطيةٍ وشعاراتٍ شتى، دينية أو علمانية أو ليبرالية أو وطنية، اختلفت البضائع والمشتري واحد لا يتوقف عن الشراء.

أحدهم، وفي ظل الالتفاف الشعبي والنيابي حول واحدةٍ من أكبر القضايا الوطنية، وهي فشت الجارم لما يمثله من أهمية للبلد، نراه يفقد رشده ويخرج عن طوره، و(يتخيفف)، ويتولى الدفاع عن قضية خاسرة، وهي استمرار التعاطي مع «الأرض» بطريقة ما قبل الدولة الحديثة، التي باتت مطلبا وطنيا لا يتحمل مزيدا من التأخير.

أمثال هذه «القباقب» المتطفلة تقف في وجه الوصول إلى دولة القانون، بما تثيره من غبار وضجيج لتصرف الأنظار عن حقيقة الموضوع. ولا غرابة، فهؤلاء يتعيّشون على ما يلقى لهم من فتات، أحيانا علبة سيجار كوبي، وأحيانا سيارة آخر موديل، وأحيانا تصل العطية إلى قطعة أرض (200 في 200)! بل إن بعضهم لمّا أكثر من تدبيج مقالات المديح ملّ الممدوحون، وأوصلوا رسائل غير مباشرة فحواها: (خله يخفف شوي... ذبحنا من الطلبات)!

في الحوادث البوليسية الغامضة، عادة ما يبحث المحقّقون عن طرفين: المنفّذ والمستفيد، ليصل التحقيق إلى غايته في كشف الحقائق. وعندما تبحث عن دوافع هؤلاء «الشراجم» فلن تجد لديهم غير الطمع في العطايا والأموال باختصار! فهو لا يفهم شيئا اسمه «التراب الوطني» الذي يجب المحافظة عليه للأجيال، ولا يجوز عرضه للبيع أو التصرف فيه لأنه ثروة وطنية عامة. وفي الوقت الذي أجمعت الكتل النيابية ومؤسسات المجتمع المدني وجمعيات حماية البيئة، على ضرورة حفظه كمحمياتٍ طبيعية، تراه يستخف دمّه ويتكلم عن تحويلها إلى محميات سياسية! خفيف كلش!

بدأ حياته ماركسياَ لينينيّا، ولمّا تسلّق قليلا أصبح منظِّرا اقتصاديا لا يجيد غير الحديث عن كيفية جذب الاستثمارات الأجنبية، وآخرها «فَشُوشْ»... (صج) خفيف دم ولا عادل إمام!

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1726 - الإثنين 28 مايو 2007م الموافق 11 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً