العدد 1726 - الإثنين 28 مايو 2007م الموافق 11 جمادى الأولى 1428هـ

الشفافية (3/3)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يتضح من قراءة أدبيات منظمة الشفافية الدولية ومتابعة أنشطتها أنها تتمحور حول تعزيز الحرب على الفساد من خلال تعميق التعاون بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني لزيادة الإنتاجية، والاستدامة لجهود محاربة الفساد وتحقيق الحكم الصالح. هذا الأمر ينقل مسئولية مكافحة الفساد من المستوى الفردي على مستوى كل حكومة على حدة وبشكل منفرد إلى الجماعي على النطاق العالمي الذي أصبح اليوم يعمل سوية بمثابة المتمم والمساعد لجهود الحكومات.

وحتى فترة قريبة كان الفساد يعتبر ظاهرة متفشية، لدرجة أن معالجتها كادت تُشكِّل تحديا لا يمكن التغلب عليه. غير أن المجتمع الدولي شهد، خلال السنوات الخمس عشرة الماضية، تغيرا ملحوظا وإيجابيا في الكفاح العالمي ضد الفساد. قبل هذا التغيير الهائل، لم تكن البلدان راغبة حتى في البحث في أمر الفساد، وكانت تعتبره مشكلة داخلية ليس إلا. لكن اليوم هناك عدد كبير من التجمعات والآليات المتعددة الأطراف التي أنشئت خصيصا لمعالجة مشكلة الفساد. ومنذ العام 1996، خدمت الاتفاقات الدولية لمكافحة الفساد في رفع الالتزامات السياسية لمكافحة الفساد، وعيّنت المعايير والممارسات الدولية الأساسية لمعالجة الفساد. وكان يُعتقد في ما مضى، أن مكافحة الفساد موضوع يخص كل حكومة بمفردها. لكن أصبح من المُتفق عليه عالميا الآن، جزئيا بفضل اتفاقات مكافحة الفساد، التي عززتها البيانات المتنامية بشأن الإرادة السياسية، أن بوسع المجتمع الدولي استكمال ومساعدة جهود الحكومات في محاربة الفساد، وأن للمجتمع الدولي مصلحة حقيقية في رؤية الفساد يُعالج محليا كما على المستوى العالمي. وبفضل موافقته على آليات مكافحة الفساد، يفتح المجتمع الدولي الأبواب أمام مزيد من التعاون المتعدد الأطراف والثنائي على جبهات ذات شأن، لكنها تبقى محلية تقليديا. وهذا، يشجع بدوره مشاطرة الممارسات الفضلى، ويبني الثقة والعلاقات بين الدول المتعاونة، ويزيد، في نهاية المطاف، فعالية الجهود الثنائية والمتعددة الأطراف، كما برامج المساعدات الإنمائية. وتجمع الاتفاقات متعددة الأطراف لمكافحة الفساد معا المبادئ المعترف بها دوليا لمكافحة الفساد وتعطي شكلا رسميا لالتزام الحكومات تطبيق هذه المبادئ. هذه المبادئ، التي تضمّنها أخيرا ميثاق الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (UNCAC)، تذهب إلى أبعد من مجرّد مناشدة الحكومات تجريم الأعمال المفسدة المختلفة. فهي تعترف أن الكفاح ضد الفساد يتطلب عملا مُنسقا على عدد من الجبهات.

وفي الشرق الأوسط، تعمل الدول العربية عبر شبكة إقليمية، هي مبادرة الحكم الجيد للتنمية (GFD)، لتقديم الدعم إلى العملية الجارية لإصلاح الحكم وتحديث القطاع العام، ولخلق الظروف اللازمة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة. تُشكِّل محاربة الفساد ركنا أساسيا من العمل، وخصوصا بالنسبة الى الجهود الرامية إلى تطبيق ميثاق الأمم المتحدة لمكافحة الفساد. لقد أصبح من المتعارف عليه أنه في الأنظمة الفاسدة، كثيرا ما يُولّد المشرعون سياسات وأنظمة لا تهدف إلى تحسين الاقتصاد عموما أو البيئة السياسية، بل تفيد القلائل القريبين من المشرعين أو أولئك الذين يرشون الرسميين الحكوميين لتمرير أنظمة مواتية لهم. كما أن للفساد آثارا سلبية على مستويات الاستثمار الخارجي والداخلي في آن. فالمستثمرون سيتجنّبون، في نهاية المطاف، البيئة التي يكون الفساد فيها مستشريا؛ لأنه يزيد كُلَف القيام بالأعمال ويقوّض حكم القانون. كما كثيرا ما ارتبط الفساد بدرجة عالية من الريبة، الأمر الذي يُبعد دائما المستثمرين.كما يؤذي الفساد المشروعات الصغيرة؛ لأن تحمّل كُلَف الفساد المرتفعة (الوقت والمال) أشد بالنسبة الى الشركات الصغرى منه على الشركات الكبرى. فالشركات الصغرى تملك، بوجه عام، سلطات أقل لتجنب الفساد، وهي تميل إلى العمل في بيئات عالية التنافسية. وبالتالي فهي لا تستطيع تحميل المستهلكين كلف الفساد. وهكذا، تواجه الشركات الصغرى في البيئات الفاسدة ظروفا أصعب للبقاء، وهذا يؤذي معدل النمو الاقتصادي؛ لأن الشركات الصغرى تشكل مُحرّك النمو في معظم الاقتصادات. والأمر الذي لابد لنا من الاعتراف به هو أنه من المستحيل استئصال الفساد بالكامل. إذ إن هناك الكثير من الفرص لإدارة العمليات الحكومية بطرق تشوه أغراضها العامة في سبيل الربح الخاص، كما من المستحيل القضاء على الفساد عن طريق وضع الأنظمة. لكن، قد يكون من الممكن خفض الفساد عن طريق فتح أبواب الحكومة، وتسليط الأضواء المُشعّة داخلها، وعن طريق إعطاء المحققين سلطات مراقبة ورصد للحكومة عن كثب لمنع الهدر، والاحتيال، وإساءة الاستخدام. والسؤال الذي يرد أمامنا هنا، هو: لماذا نكافح الفساد؟ في الكثير من الاقتصادات، يكون طابع الفساد مترسّخا مؤسساتيا ويبدو أن التعامل معه على أساس يومي أكثر سهولة من مكافحته. لكن اعتبار الفساد مشكلة اقتصادية يعني أن الفساد هو أكثر من مُجرّد سلوك خاطئ. فهو يعني أن الفساد، ولو أفاد عددا قليلا من الأفراد، مُكلف للمجتمع وللقطاع الخاص، وللحكومات على المدى الطويل، ويجب استئصاله لهذه الأسباب.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1726 - الإثنين 28 مايو 2007م الموافق 11 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً