العدد 1725 - الأحد 27 مايو 2007م الموافق 10 جمادى الأولى 1428هـ

البطانات والبطون والبطانيات الفاسدة!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

عادة ما يقف الخطباء على المنابر في مساجد الله من يوم كل جمعة، ويذكرون الله ويدعونه بصوت مجلجل كالرعد دعاء ملئه طلب الرحمة والهداية والإصلاح لحال المسلمين، وقبل الختم بقليل يدعون لأولي الأمر بالحفظ والرعاية والهداية، ويطلبون من الله أن يجنبهم ويقيهم من شرور ومفاسد البطانة الفاسدة التي لا يأتي من ورائها إلا صنوف الويل والثبور الذي يعمّ الجميع.

وكلما أتى ذكر مسمى «البطانة الفاسدة» مقرونا بصنوف النبذ والإبعاد والإزالة كلما طافت في مخيلتي المستمدة من مشاهدات الواقع نماذج عدة مروية ومحكية ومعايشة من هذه البطانات والبطون والبطانيات الفاسدة، والتي عادة ما تعتمد على وضع طفيلي وارتزاقي تعتاش منه، فتحوم كالذباب حول أنوف كبار المسئولين والمتنفذين والملاك في الدولة، لتكون بذبابيتها جزءا لا يتجزأ من الحياة اليومية لهذا المسئول الكبير والمتنفذ.

فهي وعلى رغم وضاعة وتردي مستوى ملكاتها وقدراتها وإمكاناتها فإنها وبمهارة احتيالية بارعة تنجح في انتزاع قطوف ثقة وراحة واطمئنان هذا المسئول الكبير والمتنفذ عسى أن يتمكن لها تغليفه بغلاف خادع من الهدوء والطمأنينية والسكينة، فجميع الأوضاع بخير، وكفوف الناس في المجالس ترتفع لك بالدعاء، وقد منح الناس أكثر من حقوقهم أضعافا، وآن الأوان للالتفات إلى تسلية وإمتاع اللذات ومؤانسة الأقربين و«الأولاد» و«الندماء» و«الغلمان الشيبان» وغيرهم من أناس وأنام!

والمصيبة هي حينما يكون هذا المتنفذ الكبير معروفا بأخلاقه العالية، وسماحته وطيبته وتواضعه مع الجميع، ومحبته البيضاء التي يعلنها لهم، وحسن نيته في خدمة البلاد وتأدية الواجبات الضرورية تجاه العباد، ولكن لغرارة شبابية منه، ولتواضع في الخبرة لا يشفع له تواضعه مع الجميع، يقوم بتولية أحد «الطبالين الشياب» والمرتزقة «الطايح سوقهم» والمشهود لهم أخلاقيا بالمكر والاحتيال، بقدر ما هو مقسوم لهم مجتمعيا من نبذ واشمئزاز، وذلك على رأس جميع الاشهاد والخلائق، فيكون هذا الأنموذج المثالي للبطانة الفاسدة هو المتحدث باسم هذا المتنفذ في كل المناسبات الاجتماعية والوظيفية، وهو المخول بالتصرف والسلوك كما يرى هو مصلحيا وذاتيا دونما اعتبار لمصلحة ورأي هذا المتنفذ ذاته!

وبالتالي حينما يمل الناس ويكلوا من ظهور هذا المرتزق المنبوذ في كل واجهة وشاشة باسم هذا المتنفذ، تطلق حينها أحكام الكراهية والنبذ المجتمعي على جميع المتنفذين وبطانتهم الفاسدة سواسية، إذ تكون هذه البطانة الفاسدة دوما صاحبة المرأى والرأي والرؤية، وصانعة المشورة، والمتلذذة بالتسلط على رؤوس الأشهاد والخلائق، كما هي الآمرة الناهية وصاحبة التخويل في حمل أختام المسئولية والتنفيذ باسم المتنفذ الذي قد يكون في خبر كان أو «خبر خير»!

بل الأسوأ هو أن تكون هذه البطانة الفاسدة إلى جانب كونها بطانة، تكون هي البطون التي تشبع وتسبح «مصارينها» الوفية باسم السيد والولي، وكأنما لا بطون جائعة غيرها في هذا البلد، كما أنها هي البطانية المرتخية التي يسترخي عليها المتنفذ والمسئول والسيد، وكأنما صفى نفسه من جميع الأمانات والمسئوليات والهموم الوطنية، وأدى واجبه وأكثر، ونال المواطنون جميع حقوقهم كما لم يحلموا قط، وذلك بعد أن شبع هذا المتنفذ «الغشيم» من تصفيق وتطبيل حاشيته وبطانته التي تشتد حين الأزمات والكوارث التي ترتكب باسمه، فيخيب أمر السيد، وينقطع معه الرجاء والوصل مع الوطن ومواطنيه إلى الأبد، وتفلح البطانة والبطون والبطانية الفاسدة في تضليل دروب السيد، وتمتين جفونه، وتخميد وعيه، وإطفاء همومه، وتعليق مسئولياته الكبيرة على أقرب مشجب، فتضيع مصالح الوطن والمواطنين، بينما هي تتفرغ إلى تعزيز وضعها المعيشي والوظيفي، وإدامة تطفلها على موائد السيد من طعام وشراب وعقار و«رزة»، وبلا شك لا يطرف لها جفن من دون أن تدعم مفاصلها الارتزاقية، وتنسج لها شيكات وشبكات مصلحية أخرى مع أكثر من نافذ ومتنفذ اتقاء من شرور الدهر وغدره، وتتخذ لها وضعية «قطو المجالس» الذي يتحرك ويموء وينفلت بوبره الأغبر باشمئزاز بين الأقدام الناعمة الكبيرة للحاضرين من المسئولين والوجهاء والآغوات وكتاب مساج وأندية صحية، وربما لا يتضير ويكتئب كثيرا «قطو المجالس» من طول تلك الوضعية حينما يجد بينه الكثير من الطفيليين والمرتزقة على شاكلته، كما أن بينهم أيضا نوابا للشعب يعاودون أداء قَسَمْ الأبدية الانصياعية!

وللأسف كثيرا ما تفلح تلك البطانات والبطون والبطانيات الفاسدة في كسب ثقة السيد والمسئول والمتنفذ إلى آخر المنتهى، أو أن تصبح هي في حد ذاته معدن الثقة وجوهرها، فتنال «مغنما» و«جزوة» و«مكرمة» كرما للصداقة والوفاء والإخلاص للسيد، يكون عبارة عن منصب إداري كبير تتولى بموجبه الإشراف على تصريف أمور قطاعات حيوية ومهمة واستراتيجية في البلاد من دون توافر الخبرة والكفاءة المطلوبة لذلك اللهم سوى مهارات الظهور الإعلامي والإعلاني وفن الصباغة والدباغة، وأساسيات ذر الرماد في العيون، لتزيد من مصائب الوطن والمواطن.وأحد هؤلاء البطانات والبطون والبطانيات الفاسدة، ممن انتظم حديثا في سلك الترويع والتفتيش الولائي «بارتايمر» أثناء موسم الانتخابات النيابية الماضية، وممن عكفوا على استهداف النساء اللواتي كن يقمن بزيارة المخيم الانتخابي للزميل محمد العثمان، إذ كان يحذرهن بأن مجرد مجيئهن إلى الخيمة يشكل في حد ذاته خطورة كبيرة عليهن وعلى وظائف أزواجهن العسكرية، ويمس بالسوء مستقبل أبنائهن، ويهدد لقمة العيش المشتركة، وينذر بعذاب وفراق أليم بين الوطن والمواطنين! كما لم تتوقف هذه البطانة والبطن والبطانية الفاسدة، وهذا المسئول الإداري البارز، وهذا المفتش الولائي «البارتايمر» ذاته، وفي يوم المعترك الانتخابي من زيارة المركز الانتخابي للدائرة التي يترشح بها المناضل الوطني الكبير عبدالرحمن النعيمي (شفاه الله ورعاه)، إذ تزوره جموع المواطنين الحاشدة من شتى أنحاء الوطن الواحد عرفانا بجميله النضالي الوطني ومساندة له في معركته الانتخابية، وقد جاء حضرة المفتش الولائي «البارتايمر»، و«القروص» الذي ليس كمثله «قروص»، ليشد من أزر النعيمي أمام فريق حملته ومناصريه، ويأخذهم جميعا بمصافحات دبقة حارة، ويجود عليهم بقبلات تحملوا بطيبتهم دمامتها، ودمامة الأسنان المتآكلة بالقلح تحت الشفتين، ولم يبق بعدها غير عناق يستر تحته شعيرة النفاق، فما أن يغادر هذا «المفتش الولائي» الجوال المركز الانتخابي، حينما تستعر شمس الظهيرة ويتغير لونه بعد أن يذوب ماكياجه، حتى يبدأ مسلسل «وشايته» الدنيئة بجميع من وقف وساند وناصر النعيمي سرا وعلانية في يوم المحشر الانتخابي، ليشي بالجميع لدى الجميع ومنهم كبار القوم وأرباب العمل والأقرباء والأهالي الأولى بالمعروف، فيقول لهم بمنتهى الحقارة المعتقة «سكنوا ولدكم ويودوه واستروا على روحكم وعليه، وصكوا عليه جميع النوافذ والأبواب، وغطوه ولحفوه وقعدوا عليه، لئلا يخسر شغله وعمله ووطنه بدعمه ومساندته للنعيمي ورفاقه» أو ربما يسعه أن يختصرها «تبون إيران الصفوية تحتلكم مرة أخرى»! أمثال هؤلاء من البطانات والبطون والبطانيات الفاسدة، وممن يشوهوا سمعة «القراريص» قد يتكاثروا ويزدادوا مستقبلا، ويصبحوا أعيانا ووجهاء أو كبار مسئولين، أو هم يصبحوا عملة صعبة ومعدنا لامعا إذا ما ازداد انتشار آفات وظيفية تنقلها الاستخدامات الخاطئة للأسمدة التجنيسية التي تدمر الحياة الفطرية الوطنية، وتقلبها رأسا على عقب!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1725 - الأحد 27 مايو 2007م الموافق 10 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً