في منتصف الستينات، جرى حوارٌ بين بريطاني وبحريني، بحضور شخص عراقي، ونُشر حينها في إحدى المجلات. البريطاني كان يتنبأ بما ستؤول إليه البحرين في المستقبل، إذ قال: مع نهاية القرن ستجف آبار الماء والكواكب والعيون العذبة، وسيتوقف إنتاج النفط، ولن يبقى شيء من الغاز.
أعتقد ان البحريني لم يصدّق ذلك الكلام، وربما اعتبره نوعا من التنجيم، إن لم يعتبره حسدا من بريطاني حقود، يرى ما تنعم به البحرين من مياهٍ عذبةٍ تتدفق حتى داخل البحر؛ ونفطٍ يتدفق في البر والبحر؛ وغازٍ وفيرٍ يتم إحراقه على مدار الساعة لعدم الحاجة إليه. أما العراقي الذي هاله ما يهدّد وجود بلد عربي صغير فقال: «يا به غاز ماكو، نفط ماكو، ماي ماكو، بحرين هم ماكو»!
النبوءة السوداء عمرها 40 عاما، وها نحن نعيش تفاصيلها، فالعيون التي كانت تتدفق لتروي الحقول والمزارع والبشر، وكان المقتدرون يحفرون «الجفر» وسط بيوتهم، جفّ بعضها في منتصف السبعينات، وجف ما تبقى في مطلع الثمانينات، حتى بتنا نشتاق إلى البرك الصناعية. والغاز انتهى حتى بتنا نتفاوض لاستيراده من هنا وهناك. أما النفط الذي يتناقص إنتاجه عاما بعد عام ولم يبق منه إلاّ صبابة كصبابة الإناء، فما يزال يمثل 75 في المئة من مصادر الدخل القومي، على رغم أطنان الكلام عن تنويع مصادر الدخل، ولجأنا في الأخير إلى الحل الأسهل: تقطيع أوصال البحرين وعرضها للبيع، وفتحنا الباب للأموال الخليجية الضخمة لشراء العقار، لنقضي على أية فرصةٍ ليتملّك المواطن البحريني قطعة أرض في وطنه. هذا ونحن لا نملك غير الأرض الآن، وهي أرضٌ لا تتسع لسكانها «القدامى» الذين ضاقت بهم الأحياء القديمة في المنامة والمحرق وسترة، فضلا عن الاتساع للبحرينيين «الجدد» الذين مُنحوا الجنسية، وقدّرهم رئيس المجلس النيابي بـ 53 ألفا، بينما قدّرهم وزير الداخلية بستة آلاف فقط.
قضية الأرض التي فجّرها خبر محاولة «بيع فشت الجارم»، تختزن كل هذه المعاني والآلام، فنحن أضعنا ثلاثين عاما دون أن نحقق تنمية حقيقية، وأضعنا أربعة أعوام في مهاترات برلمانية طائفية، وعلينا إضاعة أربعة أعوام أخرى على إصلاح اللائحة الداخلية، وثلاثين عاما أخرى على وضع اقتراحات برغبة لإصلاح زرانيق المحرق والمنامة، ومنح «بونس» بـ 100 دينار لهذا الشعب من «الطرّارين»! فيما يستمر تقطيع التراب الوطني إلى قطع صغيرة وبيعها في المزاد.
ما نفعله لم تفعله إماراتٌ أخرى أكبر حجما وأوسع مساحة وأقل كثافة سكانية، كالكويت (17.818 كم مربع)، أو قطر (11.521 كم مربع)، أو حتى دبي (3900 كم مربع). بالمقابل، وبلغة الأرقام، جزيرتنا الأم لا تزيد عن 595 كم مربع، وجزيرة المحرق لا تزيد عن 44 كم مربع، وسترة 15 كم مربع، ومع ذلك نفكّر في مشاريع استثمارية ضخمة لن يستفيد منها إلاّ الطبقة الثرية جدا، بينما ينتظر المواطن المحظوظ 15 عاما ليحصل على قرض بناء أو قطعة أرض.
عجزنا خلال ثلاثين عاما عن تحقيق برامج تنموية حقيقية، وبرامجنا التعليمية عجزت عن تخريج طلاب ينخرطون في دورة الإنتاج الحقيقي، فكانت النتيجة تقديم ثلاثة أرباع فرص العمل الجديدة هدية للأجانب. وكل ما استطعنا النجاح فيه هو «إقناع» القطاع الخاص بالتفضّل لرفع الأجور إلى 200 دينار.
الانجليزي الملعون تحقّقت نبوءته السوداء بحذافيرها، وإذا ذكّر أحدٌ بصرخة العراقي (بحرين ماكو)، قالوا: نعوذ بالله من الحسّاد والحسد، ومن شر النفاثات في العقد!
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1724 - السبت 26 مايو 2007م الموافق 09 جمادى الأولى 1428هـ