أظهر تقرير لمنظمة الشفافية الدولية صدر قبل أيام أن الرشوة والنفوذ السياسي في المحاكم يحرمان المواطنين في دول شتى من حقهم الأساسي في محاكمة عادلة. وقالت المنظمة التي تتخذ من برلين مقرا لها، في أحدث تقاريرها عن الفساد العالمي، إن عائلة على الأقل من بين كل عشر عائلات تضطر لدفع رشوة للوصول إلى العدالة في أكثر من 25 دولة. وبينت أنه في 20 دولة أخرى، ثمة نسبة تزيد عن 30 في المئة من العائلات ترى الرشوة وسيلة للخروج بنتيجة «عادلة» من المحكمة. وقال رئيس المنظمة هوجيت لابيل «عندما يفسد الطمع والمصالح السياسية المحاكم، تميل موازين العدالة ويعاني الأشخاص العاديون. الفساد القضائي يعني أن صوت الأبرياء لا يسمع، بينما يتصرف المذنبون بحصانة.»
وقال التقرير إنه على رغم عقود من الإصلاح لحماية استقلال القضاء، فإن الضغط لا يزال شديدا على المحاكم لتحكم بما يخدم المصالح السياسية. وأثار اسئلة عن الانتخابات القضائية في الولايات المتحدة قائلا إن تمويلات الحملات الانتخابية يمكنها إحداث أجواء من تضارب المصالح. وأوصى التقرير بأن تتخذ الدول إجراءات عدة لمكافحة الفساد القضائي من بينها إنشاء هيئة مستقلة لتعيين القضاة، وضمان تناسب المرتبات مع سنوات الخبرة والأداء.
وتعد منظمة الشفافية الدولية منظمة فريدة من نوعها كونها أخذت على عاتقها مكافحة ظاهرة الفساد التي تعد العائق الأكبر أمام التطور الاقتصادي والاجتماعي في كل أنحاء العالم وذلك دون التلويح بـ «الهراوات الأخلاقية الأوروبية»! فالفساد يشوِّه عمليات السوق، ويسلب الناس من المنافع التي يجب أن تصل إليهم.
وطريق المنظمة في العمل لتحقيق أهدافها ينبع من إيمانها بأنه من الممكن محاربة الفساد بشكل مستمرّ، في حالة مشاركة كل المعنيّين سواء من الحكومة أو المجتمع المدني، أو القطاع الخاص. ووسيلتها في ذلك أن تجمع في فروعها المحلية الأفراد ذوي الذمم والمعروفين بالنزاهة في المجتمع المدني، وفي عالم التجارة والأعمال، وفي الحكومات، للعمل في تحالف من أجل إصلاح النظام، ومبدأ المنظمة في ذلك عدم تسمية أسماء أو مهاجمة أفراد بعينهم، وإنما تركّز على بناء نظم تحارب الفساد، كما أن المنظمة تلعب دورا هاما في زيادة الوعي العام بمخاطر الفساد في الكثير من البلاد.
والفساد «هو سوء استغلال السلطة من أجل تحقيق مكاسب شخصية». هذا هو نص تعريف منظمة الشفافية الدولية التي تعد أكبر منظمة غير حكومية في العالم للفساد. وقام مدير البنك الدولي السابق بيتر آيجن، بـتأسيس هذه المنظمة غير الحكومة الفريدة من نوعها، والتي أخذت على عاتقها محاربة الفساد بصفته آفة العصر الأولى. وتملك هذه المنظمة اليوم أفرعا في أكثر من 100 دولة، ولذلك فهى تُعد «لاعبا عالميا» في مجال مكافحة الفساد الذي يُمثل وفق تقدير بيتر آيجن أكبر عائق أمام التطور الاقتصادي والديمقراطي في دول العالم بصورة عامة والثالث بصورة خاصة.
وقبل شروعه في تأسيس منظمة الشفافية العالمية عَمل بيتر آيجن مديرا للبنك الدولي لمدة عقود طويلة، وأكسبته إقامته الطويلة في إفريقيا حساسية خاصة ووعيا بالتأثير الهَدّام للفساد، ولذلك قام في البداية بمحاولة مناقشة هذا الموضوع في إطار هيئة عمله داخل البنك الدولي. وفي هذا السياق أصبح جليا أن الرأي السائد في ذلك الحين يقر بأن الفساد جزأ من «الثقافة الإفريقية» ولذلك يجب على الدول المانحة القبول به، وخيم العواقب، وخاصة إذا أخذنا المعطيات السياسية لصراع القطبين «الشرقي-الغربي» بعين الاعتبار. واستنادا إلى ذلك تم محاولة كسب النُخب الحاكمة في الدول النامية ومد جسور ربط وثيقة بينها وبين دول الغرب الصناعية، وذلك من خلال دفع مبالغ سخية لها وعدم فرض «شروط» تُقيد حرية حركتها. ونظرا لذلك فقد تم «تحريم» أية نقاش بشأن عمليات الاختلاس و»تشجيع» الفساد داخل البنك الدولي وتم تبرير ذلك بالتنويه إلى مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول المستقبلة للمساعدات.
وقد دفع الشعور بالوقوع في مأزق داخل المنظمة التي يعمل لها بيتر آيجن إلى ترك عمله في البنك الدولي في العام 1993 وتأسيس منظمة الشفافية الدولية ودفع خطاها إلى الأمام، يدا بيد مع أصدقائه وزملائه العاملين في مراكز قيادية في الاقتصاد وفي منظمات مساعدات التنمية.ويقول رئيس منظمة الشفافية الدولية بيتر آيجن في كتابه «شبكة الإرهاب»، الذي ترجمته دار قدمس للنشر والتوزيع في دمشق إلى اللغة العربية، أنه توصل خلال عمله طوال ربع قرن في البنك الدولي إلى أن الفساد يمثل الشر الأساسي في عصرنا وانه حاضر في كل مكان ولا بد من مواجهته بشفافية تشمل العالم.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1724 - السبت 26 مايو 2007م الموافق 09 جمادى الأولى 1428هـ