يمكن الزعم بأن قرار الحكومة الكويتية الذي اتخذته الأسبوع الماضي والقاضي بفك ربط عملتها بالدولار الأميركي واستبدال ذلك بسلة من العملات له ما يبرره. فقد اتخذت السلطات الكويتية القرار على خلفية عدم ظهور دلائل تحد من ظاهرة تراجع قيمة الدولار وتداعيات الأمر على أمور مثل التضخم على خلفية جلب واردات من سلع غير مسعرة بالدولار الأميركي.
قبل الخوض في المزيد من التفاصيل لابد من التأكيد على أن الكويت لم تتخل عن الدولار بشكل كامل. بل عمدت إلى ربط عملتها بسلة من العملات تضم الدولار لكنها تشتمل على عملات أخرى استنادا لأهميتها النسبية في الميزان التجاري لدولة الكويت. حقيقة القول حتى الماضي القريب كانت هذه السياسة المالية للكويت لكنها تخلت عنها في وقت سابق من العقد الجاري وعادت الآن لتصحح الوضع. وعليه كل الذي حدث هو أن الكويت تراجعت عن فكرة ربط عملتها الوطنية فقط بالدولار الأميركي.
تدني قيمة الدولار
المعروف أن الدولار الأميركي خسر الكثير من قيمته في أخيرا نتيجة كنتيجة مباشرة لسياسة بنك الاحتياط الفدرالي (أو البنك المركز) في التصدي لظاهرة العجز في الميزان التجاري. على سبيل المثال بلغ حجم العجز التجاري الأميركي مع الصين وحدها 232 مليار دولار في العام 2006. وهذا يفسر جانب من الضغوط التي تمارسها واشنطن على بكين لحملها على رفع قيمة عملتها (اليوان). وكانت مسألة العجز التجاري في صلب المحادثات التي جرت بين ممثلين من الجانبين الأسبوع الماضي.
ويشار إلى أن السلطات الأميركية عمدت في السنوات القليلة الماضية إلى الدفع باتجاه خفض قيمة الدولار مقابل بعض العملات الصعبة الأخرى مثل اليورو. بمقدور 77 سنتا من اليورو في الوقت الحاضر شراء دولار واحد. أما في العام 2002، كان لزاما دفع يورو زائدا 25 سنتا لشراء دولار واحد. لا شك في أن هذا التحول يساهم في تعزيز الصادرات الأميركية إلى دول منطقة اليورو. بمعنى آخر،. فإن تدني سعر الدولار (أو ارتفاع قيمة اليورو) يخدم الاقتصاد الأميركي عن طريق جعل الصادرات الأميركية أقل كلفة. وفي المحصلة يستفيد الاقتصاد الأميركي عن طريق تنشيط الدورة الاقتصادية وإيجاد وظائف جديدة فضلا عن المحافظة على وظائف أخرى.
استيراد التضخم
من جهة أخرى, يساهم ارتفاع قيمة اليورو فضلا عن الين الياباني والجنيه الإسترليني إلى زيادة قيمة الواردات من دول منطقة اليورو واليابان وبريطانيا. حسب تقرير حديث صادر من قبل صندوق النقد الدولي فقد خسرت أسعار الصرف الحقيقة للعملات الخليجية أكثر من 12 في المئة من قيمتها في الفترة ما بين 2003 إلى 2006.
فالبقاء على السياسة القديمة يعني فيما يعني استمرار تسجيل ارتفاع في قيمة الواردات من السلع المسعرة باليورو والين والجنيه وبالتالي استمرار أزمة التضخم. وعلى هذا الأساس يمكن تفهم تحرك الحكومة الكويتية على أنه محاولة للحد من تسجيل غلاء غير محتمل للأسعار في الاقتصاد المحلي.
باختصار بمقدورنا القول إن قرار الحكومة الكويتية يهدف إلى العمل لوضع حد لمعضلة استيراد التضخم. يشار إلى أن مشكلة التضخم (أي ارتفاع الأسعار وبقائها مرتفعة) باتت ظاهرة في كل اقتصادات دول مجلس التعاون لكن بنسب متفاوتة. نواصل حديثنا يوم غد (الاثنين) اذ نناقش التأثيرات المحتملة لهذا القرار على مشروع الاتحاد النقدي بين دول مجلس التعاون الخليجي.
إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"العدد 1724 - السبت 26 مايو 2007م الموافق 09 جمادى الأولى 1428هـ