الديمقراطية تمثيل الشعب للشعب بالشعب، وليست تمثيل الحكومة في البرلمان!
في كل دول العالم الديمقراطية، يدافع النواب عن قضايا ومصالح وحقوق من انتخبوهم، لينالوا رضا الناخب فيعيد انتخابهم، إلا في بعض الدول التي يسعون فيها لرضا الحكومة، حيث تمسك 99 في المئة من مفاتيح حلّ المشاكل والأزمات، لأنها ببساطة تملك المال والسيف... والعسل والمنّ والسلوى.
إذا تعاملنا مع النواب كـ «موظفين» في «مجلس» ما، يؤدون دورا يخدمنا، نكون قد أسأنا فهم اللعبة الديمقراطية. فهذه اللعبة لا تكون بـ «الروموت كونترول»: «إفعل ولا تفعل»، وإلاّ سأعاقبك بدفع غرامة 100 دينار، أو سأدخلك السجن ثلاثة أشهر! فالنواب يمثلون من انتخبوهم وجاءوا بهم إلى البرلمان، لاقتناعهم بهم كأشخاص أو كبرامج انتخابية أو قناعات. والآلاف المؤلفة التي خرجت تحت المطر لتختار ممثليها قبل عامين، لديها مشاكل حياتية واقتصادية واجتماعية شتى. وتنتظر من هؤلاء أن يدافعوا عن مصالحها وحقوقها وآمالها في غدٍ أفضل، ويدفعوا عنها ما يحيق بها من تعديات وتجاوزات واستلاب حقوق.
ما جرى من إثارات ضد بعض النواب والناشطين الحقوقيين وبعض مؤسسات المجتمع المدني، إنما يدلّ على تهرّبٍ واضحٍ من إحدى استحقاقات المرحلة. فالبحرين تعاني من شيء اسمه «التمييز»، ربما يكون وهما و»مظلومية تاريخية» كما تقول رواية، وربما يكون واقعا تثبته الأرقام والوقائع كما تقول روايةٌ أخرى، وفي الحالين يجب معالجة هذه العقدة للتخلص منها إلى الأبد، من أجل مصلحة البحرين وتوافقها مع نفسها وصدقها مع ذاتها.
موضوع التمييز ليس جديدا على مسامع البحرينيين، فهو يجري تداوله منذ سنوات طويلة، في المجالس والمنتديات والصحف. المجتمع المدني تداعى لمناقشته قبل أشهر بحضور 400 من رؤساء وكوادر الجمعيات الأهلية. ونحن في الصحافة مللنا من الكتابة عنه والتحذير من خطورته على مستقبل واستقرار البلد، حتى كاد يتملكنا اليأس.
الجديد في الموضوع وصوله إلى آذانٍ أخرى، تسمع القول وتقيّم التجربة اعتمادا على الحقائق والأرقام، ولا تعتمد على حملات العلاقات العامة وحفلات الشاي.
هناك حقوقٌ مدنيةٌ يطالب بها المجتمع، وهي حقوق إنسانية مشتركة بين كل الشعوب والأمم. وهناك مبادئ عامة يُفترض ألاّ يختلف عليها اثنان، بغضّ النظر عن الدين أو المذهب أو القبيلة أو العرق أو لون البشرة. في مقدمة هذه المبادئ العدل والمساواة بين البشر، وعدم التفرقة والتمييز بين المواطنين، بتقديم شخص وتأخير آخر بسبب الولاء السياسي، أو المحبة القلبية أو الرضا عنه.
هذه الحقوق المدنية هي التي دافع عنها المفكّرون والإصلاحيون في مختلف بقاع الأرض، من فولتير وجان جاك روسو وتوم بين والمهاتما غاندي ومارتن لوثر كنغ. وهي ليست حقوقا ابتدعها الغرب، فهناك جذور عميقة لها في حضارتنا الإسلامية التي اعتنت كثيرا بالعدل والمساواة وعدم التفرقة والتمييز بين عباد الله.
ثم إن التهديد بالسجن أو الغرامة، أو العقوبتين معا، نقضٌ لأحد قواعد اللعبة الديمقراطية من الأساس. وكان الأوجب البحث عن معالجة هذا «الايدز» الذي يفتك بالحالة البحرينية، بدل اللجوء إلى القوانين البالية التي جمّدناها قبل سبعة أعوام. وإذا أردنا الخير لهذا البلد، فلنرفع الحواجز عن سنّ تشريع يجرّم «التمييز»، فمن يمارسون التمييز ضد فئات المجتمع، أولى بالحبس ثلاثة أشهر أو دفع غرامة المئة دينار
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2258 - الإثنين 10 نوفمبر 2008م الموافق 11 ذي القعدة 1429هـ