العدد 1724 - السبت 26 مايو 2007م الموافق 09 جمادى الأولى 1428هـ

تحوّل في النموذج

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

التبرير المتكرر الذي شكل عائقا أمام استئناف المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية عبر السنوات هو إما الضعف السياسي للرئيس الإسرائيلي أو بعد الرئيس الفلسطيني عن الموضوع بغض النظر عمن هم هؤلاء القادة.

الافتراض التحتي لهذه التبريرات هو أن الجماهير الفلسطينية والإسرائيلية لن تدعم طروحات السلام التي يتقدم بها زعيم فلسطيني أو إسرائيلي ضعيف. إلا أن افتراضا كهذا بعيد كل البعد عن الحقيقة.

أظهرت جميع الاستطلاعات عبر السنوات وبإصرار أن غالبية أفراد الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني، وبنسبة مئوية تزيد على السبعين يساندون حل الدولتين المتفاوض عليه للنزاع. المشكلة أن هذين الشعبين نفسهما لا يؤمنان أن الطرف الآخر يساند الحل نفسه. من حيث الأعداد الفعلية بالكاد يؤمن ثلث الإسرائيليين والفلسطينيين أن الطرف الآخر يدعم ما تدل الاستطلاعات أن كلا الطرفين يفعله.

الحل إذا تشجع الثقة برغبة الطرفين في حل متفاوض عليه. أحد الأساليب التي بقي أن نحاولها في أي تفكير متزن وجاد هي أن يغير القادة الفلسطينيون والإسرائيليون النموذج التقليدي الذي يضع العربي أمام اليهودي أو الفلسطيني مقابل الإسرائيلي واستخدام نموذج جديد يضع هؤلاء الذين يؤمنون بمشاركة عادلة متفاوض عليها في الأرض أمام هؤلاء الذين لا يريدون ذلك. بمعنى آخر، الاعتراف بأن حرب 1948 وجميع المعاني الضمنية التي تمخضت عنها هي نهائية.

لقد أصبحتُ أدرك عبر السنوات أن حربي 1948 و1967 تشكلان زاويتين تضمان واقع النزاع السياسي وهدفه، مثل قاعدتين تمسكان بالكتب على الرف. فهما تحددان الكوابح التي يفرضها وجود وإصرار الإسرائيليين والفلسطينيين على طموحات بعضهما بعضا في المنطقة الفلسطينية الصغيرة التي كانت تحت الانتداب البريطاني، بين النهر والبحر كما يقال.

لقد وضعت حرب العام 1948 حلا نهائيا لآمال العرب والفلسطينيين بأن تفشل الصهيونية في تحقيق وجود دولة يهودية في فلسطين. لم يعد الفلسطينيون قادرين على أن يتطلعوا إلى تحقيق نوع الاستقلال الذي حققته بقية الدول العربية، أو أن تبقى فلسطين عربية. إضافة إلى ذلك فإن نتائج الحرب كانت مدمرة على المجتمع الفلسطيني لدرجة أن الأمر احتاج إلى عشرين سنة لإعادة تشكيل الهوية الوطنية السياسية. وما زالت معظم أجزاء هذا المجتمع سائرة على طريق الشفاء الصعب لهذا اليوم، أي بعد نحو ستين سنة.

تعززت الطبيعة الحاسمة لحرب العام 1948 في إنشاء «إسرائيل» كدولة تكون جزءا من الخريطة السياسية للمستقبل المنظور بشكل مثير بعد حرب العام 1967. لم يعد أي أمل باقٍ برؤية أي عكس لنتيجة حرب 1948 على أنه معقول أو مقبول ظاهريا سوى وهم لمن يخدع نفسه. العاما 1948 و1967 من هذا المنظور، أرسيا بوضوح قواعد حدود الآمال الفلسطينية والعربية وتطلعاتها. «إسرائيل» باقية هنا.

ولكن من المفارقات الساخرة أن الحقبة من العام 1967 وحتى الآن أثبتت حدودا مماثلة لطموحات بعض الإسرائيليين والحكومات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

من الواضح أنه من المستحيل العودة بالذاكرة إلى السنوات الأربعين الماضية، وخصوصا كفلسطيني، دون ملاحظة النتائج الرهيبة للاحتلال على الفلسطينيين. الذين ينتقدون الاحتلال ينزعون أحيانا، وهو أمر مفهوم، للتركيز على الأفكار المنهجية لحقوق سكان المناطق المحتلة. ولكن الأهم، من الناحية السياسية، أن هذه الإجراءات القمعية، إضافة إلى نزاعين رئيسيين، الانتفاضة الأولى والثانية (كانت الأولى منزوعة السلاح إلى حد بعيد بينما جرت عسكرة الثانية بشكل كارثي)، لم تستطع تكريس السيطرة الإسرائيلية بأي أسلوب معقول. مقاومة السيطرة الإسرائيلية، التي تجسدت في العديد من الأشكال الشرعية وبالطبع بعض الأشكال غير الشرعية بشكل معمق، هي أقوى اليوم من أي وقت مضى.

ولا يرى أحد تقريبا من خارج الحركة الاستيطانية الوضع على أنه مستدام أو يمكن الدفاع عنه، ولدى الجميع خطة للتغيير لأن الوقائع لا يمكن تحملها، حسب ما هو واضح.

التحدي الذي يواجه الإسرائيليين منذ العقود الماضية هو انعكاس لما واجه معظم العرب في العقود المبكرة للنزاع، وخاصة بين الأعوام 1948 و1967؛ وهو إدراك للطرف الآخر وشرعية حقوقه الوطنية، وبالتالي إلى ضرورة تسوية تضم دولتين تعيشان جنبا إلى جنب بسلام وأمن.

وبرغم أن معظم المراقبين يرون النزاع الإسرائيلي الفلسطيني على أنه بين مجموعتين وطنيتين، إلا أن الانقسام الأهم هو بين مجموعتين على الطرفين، تفهمان وتقبلان نهائية نتيجة حرب العام 1948 وهؤلاء الذين لا يفهمونها. ويفهم الذين يدركون أن العام 1948 هو لحظة تاريخية حاسمة يدركون أن أرساء قواعد محددة لا يمكن التغلب عليها للوطنية الإسرائيلية والفلسطينية وأن خط الهدنة للعام 1949 أصبح يشكل الأساس الجاد الوحيد الذي يمكن حل النزاع على أساسه.

العام 1967 كان حاسما في إثبات ذلك للعديد من العرب، رغم أن الأمر احتاج بالتأكيد لبعض الوقت لترجمة هذا الواقع الواضح إلى مواقف سياسية. يجب أن تكون السنوات التي مرت منذ العام 1967 قد تركت أثارا مماثلة على الإسرائيليين الذين لم يعد باستطاعة أي منهم أن يفشل في إدراك أن الفلسطينيين لن يذهبوا إلى أي مكان آخر وأنهم لن يختفوا عن وجه الأرض ولن يوافقوا على العيش وهم ليسوا مواطنين في دولة غير موجودة على أرضهم.

علينا أن ندرك جميعا أنه لن يكون هناك سلام حتى يتم احترام التطلعات الوطنية والكرامة لكلا الشعبين. المعادلة الوحيدة التي تستطيع تحقيق هذه الشروط هي إنشاء دولة فلسطينية تعيش إلى جانب «إسرائيل». الأمر عائد إلى القيادتين الفلسطينية والإسرائيلية. بالتنسيق مع كل أصدقاء «إسرائيل» وفلسطين لعبور خطوط الفصل الوطنية والدينية والعنصرية والعرقية التي تفصلنا وتشكيل حلفا وطنيأ ودوليا من أجل دولتين. يجب التغلب على «الحقائق على الأرض» التي منعت إنهاء النزاع من خلال هذه الرؤية وعبر القوى السياسية التي نستطيع طرحها عليها.

لا يمكن للشباب الفلسطينيين والإسرائيليين الذين يناضلون بشعور من الكبرياء الجريمة والعدالة المنتهكة، الذين يتعاملون مع الخوف والثأر والفقر والشك، أن يتجنبوا مصير الأجيال السابقة إلا من خلال قيادة حكيمة وشجاعة على الجانبين، لا تتوانى في سعيها وراء تسوية تاريخية، ونعمل على إعداد جماهيرها لتحقيق ذلك.

*رئيس مجموعة العمل من أجل فلسطين، وقد شارك في الوفود التي أرسلها الرئيس بوش العام 2005 للرقابة على الانتخابات الرئاسية الفلسطينية، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 1724 - السبت 26 مايو 2007م الموافق 09 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً