تسعى الجهود النسائية - الأهلية على الأقل - حاليا إلى إيجاد حوار مجتمعي جديد برؤية شاملة لموضوع قانون أحكام الأسرة، وخصوصا بعد أن خفتت الضجة عنه وامتصت الأطراف المعنية الصدمة. يعكس ذلك تنظيم فعاليات بين حين وآخر تصب في هذا المنحى، ومنها الحلقة الحوارية التي ينظمها صباح اليوم (السبت) الاتحاد النسائي البحريني مستضيفا عددا كبيرا من المهتمين في هذا الإطار لـ «الاستئناس بآرائهم».
كان آخر ما قامت به الجهود النسائية - الأهلية أيضا - الندوةَ التي نظمتها أخيرا جمعية سيدات الأعمال البحرينية مستضيفة عددا من علماء الدين ليتحدثوا عن الموضوع، مؤيدين، ومعارضين، وشارحين تحفظاتهم.
كل هذه الخطوات تصب في صالح «رفع الحظر» عن الحديث في موضوع قانون أحكام الأسرة الذي أثار حساسياتٍ بالغة من قبل، دينية، واجتماعية، وقبل كل شيء سياسية. ونتمنى أن يكون الفرق كبيرا بين الخطوات الحالية على تباعدها وعلى هدوئها، والحملة «المنظمة» التي سبق أن تمت في هذا الصدد والتي أقامها الطرف «الرسمي» ممثلا في المجلس الأعلى للمرأة. لا تأتي هذه الأمنية انتقاصا لجهود أيٍّ من الطرفين، الرسمي أو الأهلي، وإنما تأتي نتيجة فهم سيكولوجية المجتمع الذي جُبِل على رفض ما «يفرضه» عليه صاحب السلطة - حتى لو كان لصالحه - وتقبّل ما يطرحه الجانب الأهلي لقربه والشعور بأنه يمثل فئات المجتمع.
على رغم كل ما حصل في فترة الحملة الوطنية لإقرار أحكام الأسرة السابقة من ردود فعل مجتمعية غير متوقعة، وتسييس كبير لموضوع يُعنَى بالدرجة الأولى بحقوق المرأة والأسرة بشكل أخفى كثيرا من الحقائق عن الرأي العام وصوّر الأمر في غير صورته الحقيقة، فلا يمكننا أن ننكر أن الشعور بأن القانون مفروض من جهات «أعلى» تريد إقراره كان له دور كبير في ردود الفعل التي أثارتها الحملة، وعلى رأسها المسيرة النسائية التاريخية الحاشدة المناهضة لهذا القانون والتي وأدت حتى فكرة فتح الموضوع من جديد ولو بشكل آخر، والتي سنبقى نذكرها كلما فُتِح هذا الملف.
السعي إلى فتح حوار مجتمعي، هادئ ورزين وعقلاني، من دون ضغط أو إصرار، هو ما يبدو أن القطاع النسائي الأهلي يقوم به حاليا، فهو لن يسمح لهذا الملف أن يموت أو يغلق وخصوصا بعد أن وضعه على رأس أجندته سنوات طويلة، كما لا يفكر طبعا في أن يقوم بأية عملية «استفزازية» تثير الشارع من جديد وتكرر السيناريو السابق نفسه. الاستراتيجية الجديدة التي يتبعها أن يأخذ الأمور خطوة بخطوة، ويشرك الجميع في الحوار، حتى «أشرس المناوئين» للموضوع عسى أن يجد تحركا ما.
تبدو هذه الاستراتيجية صائبة في هذا الوقت بالذات، غير أننا لابد أن نذكِّر بضرورة «إشراك جميع الأطراف» في هذا الملف فعلا، بشكل يشعرون فيه بالثقة والطمأنينة، وأنهم جزء من هذا الملف، وأنه سيتحقق بمساعيهم، وأنهم يؤمنون به، وأنه لم يفرض عليهم من «أعلى». الحوار المجتمعي يحتاج إلى حضور رجال الدين كثيرا، والناشطات النسائيات في التيار الديني كثيرا جدا، ففي كل مرة يُنتدى فيها بخصوص هذا الموضوع نلحظ غيابا واضحا للناشطات النسائيات في التيار الديني، وكأن الأمر لا يعنيهن، أو كأنهن لا يردن القانون حتى النقاش فيه. يحتاج الحوار بشكل مُلِح إلى حضور عضوات الجمعيات السياسية «الدينية» تحديدا، وخصوصا أن زملائهن في جمعياتهن هم نوابٌ في البرلمان حاليا ويمكن لوجودهن أن يغير الكثير ولو «شكليا». يحتاج الموضوع إلى فتحه مرة أخرى أن يبدأ من القاع؛ لأنه بالضرورة سيصل بعد ذلك إلى القمة.
إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"العدد 1723 - الجمعة 25 مايو 2007م الموافق 08 جمادى الأولى 1428هـ