العدد 1723 - الجمعة 25 مايو 2007م الموافق 08 جمادى الأولى 1428هـ

المرأة في السلطة التشريعية بدول القرن الإفريقي العربية

فوزية مطر comments [at] alwasatnews.com

نجمع هنا البلدان العربية المنتسبة لدول القرن الإفريقي مضافا لها السودان. وعليه نكون معنيين بالسودان والصومال وإريتريا وجيبوتي. وقبل الذهاب في استعراض موقع المرأة في السلطة التشريعية بهذه الدول، نلفت إلى أن المنطقة التي نحن بصددها شكّلت ولم تزل تشكّل إحدى أكثر بقع العالم اشتعالا بالحروب والاقتتال الإقليمي والعشائري والعرقي في العالم. ولذلك أثره الحتمي والسلبي على جهود هذه الدول لإرساء البنية المؤسسية للديمقراطية وتفعيل السلطة التشريعية، كما أن لذلك تداعياته على وضع المرأة ودورها في المشاركة السياسية.

السودان أهم وأقدم الدول المذكورة تمكينا للمرأة وتفعيلا لدورها في السلطة التشريعية. ولسنوات سابقة ظلت السلطة التشريعية في السودان تتألف من مجلسين: المجلس الوطني ومجلس الولايات، الأول ينتخب من عموم الشعب، والثاني تنتخبه الهيئة التشريعية في الولايات بمعدل اثنين لكل ولاية. وفي السنوات الأخيرة تجرى الانتخابات وفق توزيع المقاعد البرلمانية ومقاعد الهيئات التشريعية في الولايات على أساس معادلة تقاسم السلطة المقرة في «اتفاق السلام الشامل» بين الشمال والجنوب السوداني.

حصلت المرأة السودانية على الحق السياسي في العام 1952 وكان حقا جزئيا اقتصر على حق انتخاب السلطة التشريعية، كما اقتصر على خريجات الثانوية فما فوق. وفي العام 1964 حصلت السودانية على حقها في الانتخاب والترشح وفازت امرأة واحدة بعضوية السلطة التشريعية في انتخابات العام ذاته. ومنذ الاستقلال تطورت المشاركة النسائية في البرلمان بنسبة 0.6 في المئة في الجمعية التأسيسية العام 1965 إلى 9.2 في المئة في المجلس الوطني الانتقالي العام 1994. واثر تدخلات رسمية لصالح تمثيل المرأة في السلطة التشريعية، نالت المرأة 21 مقعدا في انتخابات العام 1996 منها 14 من مؤسسات القطاع النسائي والباقي عبر الدوائر الانتخابية. وفي العام 1998 نص قانون الانتخابات على تعديلات أهمها تخصيص 90 دائرة للانتخاب الخاص أو غير المباشر وتشمل 35 دائرة للنساء بحيث تُمثل كل ولاية بنائبة واحدة إلا الولايات الثلاث الأكثر سكانا فتمثل بثلاث نائبات والولايات التي تليها تمثل بنائبتين. وتوزعت باقي دوائر الانتخاب الخاص على 26 دائرة للمعلمين و29 دائرة للجان النقابات.

أما المجلس الوطنى الانتقالي الحالي 2005 وهو فقد جاء بالتعيين وفقا لاتفاقية السلام الشاملة وتعهد طرفا الاتفاق بتخصيص نسبة 25 في المئة من نصيبه لمشاركة المرأة فحصدت النساء 81 مقعدا. وعلى رغم أنها أكبر كتلة نسائية برلمانية في تاريخ السودان، إلا أنها لم تغط الحصة المخصصة للمرأة.

في الصومال وخلال حكم سياد بري (1969-1991) ضم البرلمان الوطني أربع نساء فقط من بين 177 عضوا. وكانت حكومة سياد بري هي آخر حكومة شرعية صومالية. ومنذ تنحيته عن السلطة العام 1991 انتفى طابع الإدارة المركزية للدولة وغرقت البلاد في حروب واقتتال عشائري وعرقي يتواصل حتى اليوم. في العام 2000 عقدت الفصائل الصومالية مؤتمرا للسلام تمخض عنه تأسيس مجلس شعبي انتقالي من 245 عضوا عينهم زعماء العشائر وخصص 25 من مقاعده للنساء. وفي العام 2004 صدر ميثاق وطني تأسس بناء عليه برلمان اتحادي انتقالي 12 في المئة من أعضائه نساء إذ مُثلت كل واحدة من العشائر الرئيسة الأربع بخمس نساء والخمس المقاعد المتبقية للعشائر الصغيرة. وعلى رغم وجود سلطة انتقالية فإن الهيئات السياسية السابقة ظلت مصرة على الوجود وتسيطر على بعض المناطق وتتصارع. اليوم يصطلي الصومال بنار الاحتراب العشائري من جديد، وقد انهار النظام السياسي وتدمّرت البنية التحتية للبلاد وتوقفت العملية السياسية برمتها.

المرأة الصومالية تملك تاريخا في الكفاح الوطني وفي خوض المعارك على جبهات القتال. إلا أن اضطراب الأوضاع المتواصل واستمرار الحروب ترك آثارا مدمرة على أوضاعها. فقد سقطت الكثير من المواطنات الصوماليات ضحايا العنف العشائري، وعادت المرأة الصومالية إلى مواقع متخلفة واستسلمت الكثيرات لموقف المجتمع العشائري من المرأة ونظرته الدونية لها. رغم ذلك تبذل الجماعات النسائية - حاليا - جهودا كبيرة في سبيل تحقيق السلام وإعادة بناء الصومال.

في جيبوتي يمثل السلطة التشريعية مجلس نواب منتخب بالاقتراع الشعبي خاضع لمحاصصة قبلية بين أهم قبيلتين تستوطنان جيبوتي. ويتألف المجلس من 65 عضوا ينتمي 33 منهم إلى قبيلة العيسى و32 إلى قبيلة العفر. وقد حظيت المرأة الجيبوتية بحقها السياسي في المشاركة بالعملية الانتخابية كناخبة فقط العام 1946 ولم تنل حقها في الترشح إلا في العام 1986. على رغم ذلك لم تتمكن أي امرأة جيبوتية من تحقيق الفوز بدخول البرلمان حتى الآن.

أما اريتريا فقد ظلت خاضعة للاحتلال الإثيوبي حتى 1993 حينما نالت استقلالها وحظيت باعتراف المجتمع الدولي وصارت العضو 183 في الأمم المتحدة وذلك بعد كفاح سياسي وعسكري استمر زهاء الثلاثين عاما. ثم خاضت حتى العام 2000 حربا دفاعية ضد ما تعرضت له من غزو خارجي. وقد لعبت المرأة الاريترية دورا محوريا في حروب التحرير واشتهرت المقاتلة الاريترية شهرة عالمية. لقد كانت المرأة الاريترية تشكل 30 في المئة من أفراد جيش التحرير الاريتري الذي كان يضم نحو مئة ألف جندي، ولازالت المرأة تشكل 30 في المئة من قوات الدفاع الوطني بعد الاستقلال. هذا الدور النسائي الكبير فرض مكانة مميزة للمرأة الاريترية في المجتمع فهي تشغل حاليا 30 في المئة من مقاعد البرلمان الإريتري، وتحظى بحقوق قانونية لا مثيل لها في دول افريقية أكثر تقدما كحق الملكية وحق الطلاق وحضانة الأطفال، كما اعتمد يوم المرأة العالمي عطلة رسمية في البلاد.

جميع الدول المذكورة مرت - كما أشرنا - بحروب إقليمية وقبلية عشائرية طاحنة تركت أثرها السلبي على تطور المسار الديمقراطي بهذه البلدان. والجدير بالتسجيل هنا هو المشاركة المميزة للمرأة في كافة المعارك التي خاضتها هذه البلدان سواء الحروب التحررية منها أو المعارك الداخلية بين القبائل والعشائر. ورغم ذلك فما إن تضع الحرب أوزارها حتى تعود المرأة إلى قاع المجتمع رهينة للعقلية القبلية والموروث المتخلف الذي ينظر للمرأة نظرة دونية. والمثال الصارخ على ذلك بعض النساء الاريتريات اللواتي كن قائدات ميدانيات أيام حرب التحرير فتحولن اليوم إلى قابعات في البيوت تابعات خادمات لساكنيها. كما أن المرأة الصومالية التي شاركت في حرب التحرير وتواجدت على جبهات القتال لم تتمكن من ثني المجتمع العشائري عن امتهان إنسانيتها في ظاهرة ختان المرأة التي ما زالت منتشرة في دول القرن الإفريقي وتُمارس بشكل شامل تقريبا في المجتمع الصومالي.

ومن الملاحظ أن العملية الديمقراطية في هذه البلدان خاضعة في المعظم للمحاصصات العرقية والقبلية التي يغلب عليها - في بعض الحالات - طابع التعيين. إنها ديمقراطية القبائل والعشائر التي تفرد حصصا برلمانية للمرأة، لكنها في الوقت ذاته تقصيها وتسلبها إنسانيتها على صعيد الحياة والحقوق والعلاقات المجتمعية. فالمرأة السودانية التي منحتها القوانين الصادرة في أعقاب اتفاق السلام الشامل 2005 حصصا برلمانية تتراوح بين 10 في المئة و25 في المئة لم تبد تجاوبا يغطي الحصة المعتمدة وظلت نسبة تمثيلها لا تتعدى 10 في المئة.

إقرأ أيضا لـ "فوزية مطر"

العدد 1723 - الجمعة 25 مايو 2007م الموافق 08 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً