العدد 1723 - الجمعة 25 مايو 2007م الموافق 08 جمادى الأولى 1428هـ

نواب الشعب بين طبائع الاستعباد وأراضي البلاد!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

في اعتقادي أنه مثلما يجوز القول إن امتلاك قطعة أرض أيا كان موقعها وحجمها يعني في ظل الظروف السائدة بحرينيا الكثير غير الأمن والاطمئنان والاستقرار والراحة، ويمكن أن يتعدّى الوصف إلى كونه يمثل ناقضا رمزيا في حد ذاته من نواقض العبودية والاستعباد وحتى الاستبعاد للمواطنين من قسمة البلاد وأغلى مواردها ممثلا في الأرض!

ولربما ما جارت المساواة أبدا بين أن تكون سيّدا وصاحب أرض أو عقار في الوقت ذاته يكفل لك كمواطن أبسط حقوق العيش الكريم، ويذرع بك أيسر وأولى سبل الاستقرار المادي والمعنوي مهما يكن شأنك وظيفيا واجتماعيا.

والمتتبع لمجريات التاريخ البشري سيلاحظ مظهرا وسمة بارزة من سمات الإعتاق للأقنان والإماء والعبيد أفرادا وعائلات بأن يتم تمليكهم قطعة أرض ربما تكون زراعية ليتولوا زراعتها ويعود ريعها وحصادها مباشرة لصاحبها الأصلي مقابل أجرة بسيطة ومقدرة تقدم له، عسى أن تؤمن له ولعائلته لقمة العيش، وهي ربما ملمحا كلاسيكيا مستعاد من ملامح العصور الإقطاعية!

وربما هنا وجد في أحسن الأحوال ما يشابه تلك الأحوال الانتقالية من عصور الاستعباد المادي إلى الاستعباد المعنوي والنفسي حينما يجد الفرد وعائلته وضاقت بهم كل الطرقات والسبل المعيشية، وربما لم يعد يملك إلا قوت يومه الذي يفتفته لعائلته، فيظل أسيرا للحاجة ومتصادما مع واقع مصادرة الحِمى العام عبر تسليعه وتحويله إلى متاع خاص من قبل أخطبوط المتنفذين والداخلين في نواديهم السياسية والاقتصادية التي سرعان ما تتكتل إلى كتلة «أوليغارشية»، تتوحد متى ما ساعفتها الظروف رغم ما يموج في أروقتها وممراتها من صراعات داخلية دفينة وساخنة!

وإن كان واقع الاستعباد أوالاستقنان أوالاسترقاق أمرا مأساويا في مجمل تاريخ البشرية، ومازالت جروحه محفورة ومخضبة لهضاب الذاكرة البشرية، فإن أسوأ منه هو طباع وطبائع الاستعباد المعنوية والروحية التي تتوارثها الأجيال وتحملها في جيناتها دونما أن تتحرر منها، حيثما وجدت العوامل الثقافية والاجتماعية المساعدة لها، وبحسب الظروف الموضوعية السائدة، وبالنسبة إلى واقعنا البحريني فإن ما يعزز من طبائع الاستعباد ونماذج الاستبعاد أمام المواطنين هو استمرارية عمليات «النهب» و»الوهب» وصفقات البيع والشراء للأراضي المستمرة خارج القنوات المتعارف عليها رسميا، وغير الآبهة بما يقع في فكاكها الجشعة من بر وبحر أو شجر و مدر، وغير المبالية بما تجني عليه وعلى الشعب إن كان ما طالته يد المصادرة «فشتا»، أو محمية طبيعية جميلة، أو حواضن غذائية غنية تطعم شعوبا وقبائلا بـأكملها!

وبما أن نواب الشعب قد أعلنوا استعدادهم لتشكيل لجنة تحقيق في قضية بيع «فشت الجارم» وبثمن بخس، وهو ما يبدو أن غالبية منهم عادت إلى الرشد الوطني السياسي، وإن كنا لا ننكر سابقا وجود تحرك نيابي فردي سبق القضية وبت في أمر هذا ملف الأراضي الخطير بالسؤال، لذا فكان من الأولى بهم أن يدعوا عنهم الالتهاء بصور الراقصين والراقصات في فعالية «ربيع الثقافة»؛ لينصرفوا إلى خرائط «فشت الجارم» الذي أصبح، أو ربما كاد أن يصبح «فشت الجرائم» بحق الوطن ومواطنيه، وخرائط الأراضي البحرينية في وضعيتها الهلامية الغامضة المدججة بالظلام!

وهم أصبحوا الآن أمام خيار أوحد لا مرد عنه وهو الالتئام والالتحام مهما تكن النوايا، ومهما بلغت مستويات الوعي والذمة في نصرة قضية الأراضي في البحرين التي يتوقف عليها مستقبل الشعب البحريني بكل أجياله، وهي قضية بلا شك لا يمكن تطييفها أو طي خرائطها لتكن حبيسة الأدراج، وهي التي كانت محور هم الشعب البحريني بممثليه في السلطة التشريعية منذ سبعينات القرن الماضي، وهو ما جاء في الوثيقة التاريخية النفيسة التي نشرتها «الوسط» سابقا، وهذا الهم تواصل ولم ينقطع مع حل البرلمان والدخول في عزلة واغتراب عالم «أمن الدولة» الأغبر!

المشكلات والإشكاليات ذاتها قد تأزمت بمرور السنين وتراكماتها السلبية، وأصبحت تستوطن هاجس المواطن كقضايا وجودية يرتبط بحلها مصيره وحتمية بقائه معززا ومكرما، وبكل تأكيد لم تكن الوثيقة التاريخية النيابية التي نشرتها «الوسط» لوحدها كدليل على استمرارية التأزم الحاصل في العهد البحريني دونما أدنى حل أو حلحلة وتصفية مقنعة وجديرة، بل تضاف إليها صفوفا من كتب ممنوعة ومصادرة بأمر رقابي وإعلامي تعالج فترات عقدية ماضية من الزمن البحريني الممتد، ويتوصل القارئ لها إلى أن قضايا تلك الفترات الزمنية العقدية الماضية ظلت وما زالت هي ذاتها التي يرزح تحت وطأة تراكمها وتعقدها المواطن البحريني، هي ما زالت ذاتها مستعصية على الحل من قبل الدولة، وهو ما يعني أنها ظلت متجذرة منذ ذلك الأوان وحتى هذه اللحظة من دون أن تتحقق أية نجاحات للدولة والحكومة في حلها ومعالجتها أو حتى الاعتراف بها بعيدا عن التخبئة والإخفاء الأعمى عملية الذي يشبه عملية حفر القبور ودفن الجثامين!

ومع استمرارية تلك القضايا بوتيرة أكثر حدية، وعلى رأسها قضية شح الأراضي وفوضى التملك والاغتنام العقاري استمرت طبائع الاستعباد ونماذج الاستبعاد بكل ما لها من أبعاد، وبكل ما في البعد من أثر ومعنى ينغرس خنجرا في صميم الذات المجتمعية البحرينية ليفرقها شظايا وأشتاتا، ومثل تلك الطبائع والنماذج الحيّة والمعاشة كانت ومازالت وستظل مشكلة أكبر إعاقة للانتقال بالدولة نحو هيكلة سياسية واقتصادية حداثية، فلا تقدم اجتماعي بوجود هذه الطبائع السقيمة والنماذج الجاهلية المتخلفة، وبالتالي لا أثر لتنمية سياسية ولإنماء اقتصادي حيوي يذكر!

وباستمرارية تواتر تلك الطبائع في سلوكيات النفس البحرينية التي ستكون وستظل مجبرة للتعايش مع آثار وقائع المصادرات المستهلة بالأراضي والبحار التي تعلق مصائر البحرينيين وتغيب عنهم الاستقرار المادي والمعنوي، ستجعل منهم أسيرة وسبية للاغتراب في أرض البلد المحاصر، وربما تزيد من التشرخ أو التشظي الانتمائي في أسوأ الأحوال!

ما كان يدهشنا في الوثيقة النيابية التاريخية المنشورة هو ما كان سيرشدنا إلى حقيقة مستوى الوعي الشعبي الراقي في ذلك الوقت، والذي يرتقي عن مستواه حاليا، إذ غابت حينها المشكلات والأزمات المصطنعة كالتي نشهدها حاليا، وحضرت بقوة القضايا المصيرية والرئيسية، وتجلت معها الرؤية الاستشرافية المستقبلية، التي تغيب عن ذهنية نواب «المراكز العامة»، والذين أصبحوا منذ دخولهم المسرح البرلماني نوابا للدوائر الخاصة، أو نوابا لـ «الفرجان»، أو حتى نوابا للبيوت والعوائل، وبعضهم نواب غوائل اكتفى بحق التمثيل الشرعي لما يملكه من أسرار عقار وثروة «فارطة» يعلم الله مصدرها ومكونها الرئيسي!

فهل سيحترم نوابنا الأفاضل، وهم نواب الشعب البحريني، ومنهم «اللوردات» و»المليونيرات» و»أبطال الصور الفوتغرافية» المدفوعة الأجر، سلطتهم التمثيلية التشريعية، ويسعون لتخليص شعب طيب من طبائع استعبادية ونماذج استبعادية تؤثلها وترسخها أوضاع المصادرة والبيع والشراء والسبي للأراضي في أسواق نخاسة عقارية لا يعلم بها إلاّ ربي؟!

فضيلة النائب الفاضل،

المواطن البحريني المسكين وابن الانتماء يستحق أكثر من «خيشة عيش» و«دبة زيت عافية» و«رحلة بالباص إلى العمرة»، وهو بلا شك لا يشترى سعريا بــ «عشرة» أو «عشرين» أو «خمسين» أو «مئة» دينار، فمن بعده سيأتي حساب الأجيال الذي لن يرحم!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1723 - الجمعة 25 مايو 2007م الموافق 08 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً