نحن مقبلون على ثورةٍ تعم العالم العربي وتقلب أوضاعه رأسا على عقب، وتهدّد بالإطاحة بعروش الحكام وزلزلة كل الممالك والجمهوريات والسلطنات والمشيخات! فما شهده الفقه من تطور أنتج لنا جيلا جديدا من المفتين يحرمون جلوس المرأة على الكرسي، لأن أوائل الأمة كانوا يجلسون على الأرض! ويبشّرون بخلق مجتمع فاضل يعيش حالة من الأخوة والمساواة، ويصبح الجميع أخوة متساوين بفضل تعميم سياسة «الرضاعة الطبيعية» للكبار!
قبل عشرين عاما، ذهب أحد الشباب (المنزهقين) بعد ولادة أول طفلٍ له، إلى أحد الشيوخ مستفتيا: «هل يجوز شرب شيء من حليب الزوجة؟» فتوقّف الشيخ فترة قبل أن يجيبه بالعامية ضاحكا: «بس لا تخلّص الحليب عن الجاهل»! أما ما أتحفنا به رئيس قسم الحديث بجامعة عربية عريقة من فتوى «عصرية»، ففتحت الباب لطوفان من التعليقات الساخرة، ليس من الغربيين الشامتين هذه المرة ولكن من المسلمين الذين صدمتهم هذه الفتوى الخلاعية، وفي مقدمتهم المصريون، الذين آتاهم الله بديهة مذهلة في إطلاق النكات.
أحد المصريين قال انه يعمل مراسلا بدائرة حكومية منذ ثلاثين عاما، وانه اكتشف فقط بعد هذه الفتوى سرّ حب مديره له، فهو دائما يرسله في مهماتٍ خارج العمل، ويسهّل له الخروج في إجازات بمناسبة ومن دون مناسبة، لكي يحصل هو على خلوات شرعية للرضاعة من الزميلات!
المفتي الجديد، خصّ الموظفين من بين خلق الله بإباحة الرضاعة من زميلاتهم في العمل، وبمعدل خمس رضعات - فهذا هو النصاب الشرعي للرضاعة- لكي يتمكن الموظف من الفوز بالخلوة «الشرعية» بمن يخاف من الخلوة «غير الشرعية» بها! ولم يسأل هذا العبقري نفسه كيف سيرضع منها دون أن يقع في محذور ملامسة جسدها وهي امرأة أجنبية عليه؟ هل ستتم الرضاعة باللاسلكي؟ وأين ستتم عملية الإرضاع؟ هل في وقت العمل الرسمي أم يواعدها في فندق أو بار أم في شقة مفروشة؟
لو أتيح لفلسفة الشبق الجنسي أن تأخذ طريقها للتطبيق، فهل سيستمر العمل في أي دائرة حكومية أو شركة خاصة أو جامعة؟ أم ستتوقف عجلة العمل والانتاج والدراسة؟ ألم يفكّر في ما تمثله هذه الفتوى من تهديد خطير على مهن أخرى؟ ألم يفكّر فيما ستسببه من كساد في سوق الراقصات وفنانات «الفيديو كليب» ومن يتعيّشن على مهنة «بيع الهوى»؟! وإذا كان هذا «المنزهق» حنونا إلى هذه الدرجة على الموظفين بتقديم طرق «شرعية» تبيح لهم الخلوة بزميلاتهم، ألم يخطر بعقله ما يفتحه للناس من طرق لنشر الرذيلة والإباحية والفساد؟ هل هناك ما هو أكثر استخفافا بالعقول ومسا بكرامة المرأة من هذا «التبشير» الجنسي المكشوف؟ وهل أبقى سماحته للإباحيين والمتهتكين والبوهيميين... شيئا ينافسونه به؟
المعروف طبيا أن المرأة غير المتزوجة لا تنتج الحليب، وأن الحليب لا ينزل إلاّ بعد الولادة، وأغلبية النساء يعانين من مشكلة عدم إدرار الحليب خلال الأيام الثلاثة الأولى من الولادة، فكيف سيجد حلا يرضي ضمائرهم للخلوة «الشرعية» بالآنسات والعازبات والمطلقات؟ ألم يخطر بباله أن هذه الفتوى لن يستفيد منها غير النساء المرضعات حصرا؟ وهل هن ناقصات ليضاعف أعباءهن، فيكون عليهن رضاعة أطفالهن في البيت وزملائهن في العمل؟
في الأحاديث الشريفة عن آخر الزمان، انه ستأتي على الناس «سنوات خدّاعات يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق... وينطق فيها الرويبضة»، فلما سئل (ص): وما الرويبضة قال: «الرجل التافه يتكلّم في أمر العامة». فكيف بمن ينسب روايات إلى أمهات المؤمنين (رض) تصطدم بحقائق العلم والطب والعقل، ويغري «موظفي الدولة» بإتيان المنكر ورضاعة زميلات العمل؟
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1722 - الخميس 24 مايو 2007م الموافق 07 جمادى الأولى 1428هـ