نشأتُ في قرية صغيرة تدعى كامبونغ كوبيسان في غوبينغ، بيراك. كان ذلك في سبعينات وثمانينات القرن الماضي. الحي الذي كنت أقيم به كان مكونا من أناس من الأعراق كافة (ماليزيون وصينيون وهنود). عَمِل معظم سكان تلك القرية في مناجم القصدير القريبة فكانوا زملاء وأصدقاء إضافة إلى كونهم جيرانا.
كانت تلك قرية يمكنني فيها الذهاب إلى منزل جاري في منتصف الليل وطلب بعض الطعام من دون حياء لأن أناسا أتوا لزيارتنا بشكل غير متوقع. كنا نستطيع المغادرة في رحلة من دون خوف لأن الجيران سيحافظون على سلامة بيتنا حتى من دون أن نطلب منهم ذلك.
يذهب جميع الأطفال إلى المدرسة ذاتها، وهم كذلك أصدقاء معا. أقرب الأصدقاء في المدرسة هم أناس من أعراق مختلفة وأديان متنوعة، وكنا نرتاح معا إلى درجة أن ينتهي بنا المطاف في بيت أحدنا بعد انتهاء اليوم المدرسي، ننهي واجباتنا المدرسية أو نلعب معا. كان الأهالي يرحبون دائما بجميع الأطفال في بيوتهم ويحترمون ثقافات بعضهم بعضا ومعتقداتهم، ويتأكدون من أن الطعام الذي يقدمونه يجد القبول لدى الجميع.
لم يكن هناك تحامل أو خوف في الأسلوب الذي تعاملنا فيه مع بعضنا بعضا. نظرنا إلى الجميع وتقبلناهم كأصدقاء لنا، وكان كبار السن دائما يحافظون على سلامة الأطفال، مرة أخرى، بغض النظر عن عرقهم أو عقيدتهم. لم تكن مفاجأة رؤية رجل ماليزي يقرص أذن طفل هندي لأنه أساء التصرف، لأنه يهتم بمصلحة الطفل (من القوانين المفهومة ضمنا أنه يحق لكبار السن معاقبة أو توبيخ طفل أساء التصرف، وكان ذلك يعني المزيد من العقاب لدى عودتنا إلى البيت). في الوقت نفسه، كان من الممكن مشاهدة امرأة صينية تدهن المرهم بلطف ونعومة على ركبة طفل ماليزي جرح نفسه أثناء اللعب.
وفي مناسبات كالأفراح كان الجميع يدعون، وتجتمع النساء لإعداد الطعام. كان من دواعي البهجة رؤية أشخاص من ماك كيكس واتشي وآسوه يجلسون معا يتجاذبون أطراف الحديث بينما يجرى إعداد الطعام. وفي المناسبات الحزينة كالجنازات كان الجميع يشعرون بالحزن ويحضرون لتأدية واجب العزاء وتقديم المساعدة بأي أسلوب ممكن. أفضل الأوقات كانت في موسم المهرجانات. كانت صحائف الحلويات تُرسل إلى الجيران مع دعوات لحضور الغداء أو العشاء، ويتجاوب الجيران بالمثل في المناسبات الخاصة بهم. كنا نحترم ديانات بعضنا بعضا. كان هناك مسجد وكنيسة ومعبد هندوسي وآخر صيني، وجميعها على مسافة قريبة من بعضها بعضا.
وفي المدرسة، وأثناء درس الدين الإسلامي كان الطلبة من غير المسلمين يذهبون إلى المكتبة أو الكافتيريا. ولكن معظمنا كانوا يفضلون البقاء في الصف وإنهاء واجباتهم المنزلية. في الوقت نفسه كنا نستمع إلى أجزاء من الدرس، ويشاركنا الأستاذ أو الأستاذة أحيانا في النقاش. كانوا يطلبون منا شرح معتقداتنا أو تقاليدنا الدينية، ولم نتعرض في يوم من الأيام لعدم الاحترام. الواقع أن الأمر كان تجربة تعليمية لكل منا.
والآن وعندما أتطلع إلى الوراء، أتساءل ما إذا كان ذلك كله حلما. هل كنا فعلا نتعايش بسلام وتناغم يومها؟ أصبحت أشك بذلك الآن لأننا بعد هذه السنوات كلها يجري تشجيعنا على دعم التكامل العرقي. يتوجب تعليم الأطفال أو إقناعهم، بغض النظر عما إذا كانوا في المرحلة الابتدائية أو الجامعية، كيف ينخرطون مع بعضهم بعضا. أين أخطأنا؟ من يتحمل اللائمة على ما حصل؟
الأطفال، كما نعلم جميعا، أبرياء. لا تحامل أو إجحاف عندهم، ويستطيعون النظر عبر لون الجلد. إلا أن لديهم قابلية على تشكيل الانطباعات، وإذا ملأنا هذه الأذهان الصغيرة بالحقد وعدم الثقة نكون قد فشلنا في واجبنا، ليس تجاه أطفالنا فحسب وإنما تجاه أمتنا.
سنحتفل في شهر أغسطس/ آب المقبل بالذكرى الخمسين لاستقلالنا. هل نستطيع أن نقول بحق إننا تقدمنا خلال هذه السنوات الخمسين؟ أم هل عدنا في الواقع إلى الخلف؟ هل نستطيع أن نسمي أنفسنا ماليزيين بصدق؟ لا شك أن هذا غذاء للفكر.
* كاتبة مقيمة في ماليزيا، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1722 - الخميس 24 مايو 2007م الموافق 07 جمادى الأولى 1428هـ