العدد 1721 - الأربعاء 23 مايو 2007م الموافق 06 جمادى الأولى 1428هـ

ما بين البحرين وسنغافورة مثال للتأمل

سكينة العكري comments [at] alwasatnews.com

قبل فترة استرعى انتباهي أحد الأخبار الصحافية في صحيفة «الشرق الأوسط» وقد أخذ موقع الصدارة في الأخبار، مفاده أن الحكومة السنغافورية التي يتقاضى الأعضاء فيها رواتب تعد الأعلى للوزراء في العالم، منحتهم الحكومة زيادة تبلغ 60 في المئة في رواتبهم بحلول نهاية العام 2008 المقبل، ليصل مرتب الوزير إلى حوالي مليوني دولار سنغافوري (أي حوالي 3,1 ملايين دولار أميركي) وبررت الحكومة قراراها الذي ترافق أيضا مع زيادة معدلها بين 14 في المئة و33 في المئة في رواتب كل موظفي الحكومة بأنه يهدف إلى تقليل الفارق بين رواتب الحكومة والقطاع الخاص الذي يتقاضى العاملون فيه امتيازات أفضل.

وبموجب المراجعة الجديدة سيرتفع الراتب السنوي لرئيس الوزراء من 5,2 ملايين دولار مليون دولار سنغافوري إلى 1,3 مليون أي حوالي مليوني دولار أمريكي، ويعادل الراتب الجديد 5 أضعاف راتب الرئيس الأمريكي جورج بوش الذي يبلغ مرتبه السنوي 400 ألف دولار.

عندما قرأت الخبر دهشت واقعا ولم تفوتني إجراء مقارنة عابرة في داخلي ما بين الدولتين وما أكثر المقارنات التي نسمعها حينما نردد اسم «سنغافورة» على لساننا وعلى لسان حالنا أيضا، خصوصا عندما تداهمنا الأسئلة الواقعية وتحرجنا معها، لا نملك أن نبرر أو ندافع، فالقناعات فاضحة كاشفة والأوضاع المعيشية باتت لا يمكن ترقيعها، أصبحنا بقعة مختلفة كثيرا عن بقية بقع مجلس التعاون الخليجي، وبدت الفوارق تتسع، وأصبحنا أقرب إلى اليمن منه إلى الكويت أو الإمارات أو قطر التي نتشابه معها في الحجم، ولكن مستوى الرفاهية تتقدم كثيرا علينا ونتأخر أكثر عنها، نعود من جديد إلى حالة المقارنة، أليست سنغافورة الجزيرة التي تتساوى مساحتها الجغرافية مع البحرين؟

وأليست الجزيرة التي جغرافيتها تشبه البحرين إلى حد بعيد مع فارق النضج السياحي المتقدم لصالحها؟ وأليست، وأليست لصالح سنغافورة طبعا، والمقارنة قد تطول فقد تجاوزت كثافتها السكانية بشكل مضاعف عن البحرين على رغم كونها لا تملك ذهبا أسود كالذي يتوفر لدينا ولا تملك موقعا جغرافيا كالموقع الجغرافي التي تمتاز به البحرين الا ان مركزها في التجارة العالمية ثقدم على كل شيء، الفارق بأن الثروة هناك تتوزع بشكل متزن، ولكن هنا الثروات تتمركز في أيدي البعض وتنعدم عند البعض الآخر، فهناك بون شاسع في تمركز الأموال والثروات، وبدأت الطبقة المتوسطة في الانحسار وطبقة الفقراء والكادحين في الاتساع ومثلها الأغنياء وأصحاب الموال الكبيرة.

ولو أردنا أن نوسع من وجه المقارنات أكثر ما بين الوضع الاقتصادي هنا في البحرين وهناك في سنغافورة لوجدنا أن هناك لحظات أخرى لا يمكن حصرها ولكنها تجاوزتها جميعها عندما ركزت على المورد البشري باعتبارها أثمن الطاقات والموارد لديها فكان هناك اهتمام مضاعف من قبل الحكومة للمواطن السنغافوري، أغنته حينها نفسيا وماديا فتمكنت من فرض هيمنتها عليه فبدلا من العمل (8) ساعات يوميا وبقية الساعات الإنسان يندب حظه تارة ويجري وراء لقمة عيشه تارة أخرى، جعلته يعمل (18) ساعة يوميا أي يعمل ليل نهار بهمة عالية وبدافعية لا حدود لها، نجحت في ذلك حتى لا تترسب المادة الرمادية في المخ فيحدث هناك عطل وبالتالي يؤثر على إنتاجيته وبرواتب مغرية جدا.

هناك بون شاسع بين الدولتين وأن كانت هناك تقاطعات أخرى لا يمكن تجاهلها، فالإنسان في تلك الجزيرة مقدر جدا ويتعامل معه كونه مورد مهم من أهم موارد الطاقة كما أنه ركن أساسي في عمليات الإنتاج، وموضع أهمية المورد البشري لدينا لا تكمن سوى في التصريحات والمانشيتات ولا نزايد حينما نقول بأنه ركن مهم ليس في العمليات الإنتاجية ولكن في الظواهر الصوتية المعتادة لدينا.

ففي كثير من الأحيان نسمع وعلى ألسنة المسئولين بأن المواطن البحريني من أهم الموارد ولكن حينما نتلمس الواقع نصطدم ولا نجد سوى الحقيقة المرة، بل لا نبالغ إذا قلنا بأنه ربما نجد بأن الآلة ربما تلقى دلال أكبر من الإنسان فمقدار ما يصرف عليها يفوق ما يصرف على المورد البشري في نفس الموقع، لا لشيء سوى الخوف عليها من إهمالها وبالتالي هدر الأموال وضياع في الوقت، وأحيانا تصرف أموال طائلة في سبيل اقتناء آلالات ومعدات متقدمة نفرح كثيرا إذا ما علمنا بأنها في خدمة المورد البشري وأنها ستوفر له من الجهود والوقت الشيء الكثير، ولكن سرعان ما يبدد فرحنا إلى أشلاء متطايرة من الحزن والكآبة عندما نعرف بأن الآلات التي تم استقدامها لم يؤت بها إلا بغرض الاستغناء عن الأيدي العاملة وتقليل النفقات من جهة والاستغناء عن المشكلات الإدارية التي لا حصر لها ثانيا، فبات التعامل مع الآلة أسهل بكثير من المورد البشري بيد أن العاملين وبسبب الضغوط النفسية المعقدة وبسبب المشكلات المالية أصبحوا مصدرا من مصادر الإزعاج فلم يكونوا كما السابق مطيعين كما الآلة، لا يكمن الحل أبدا في التخلف والابتعاد عن التقنية العالية حتى يقال عنا بأننا مقدرون للموارد البشرية ولا نستطيع أن ندفع بتوجهات تفضي إلى ذلك فالآلة وجودها جدا مهم، فسنغافورة بنت مجدها ووصلت إلى ما وصلت إليه من تقدم، من خلال توافر كل من الآلة والمورد البشري ولم يكن شيء على حساب آخر وهذا ما ندعو له ليس أكثر، فالاتزان مطلوب فالتقنية مهمة وتعد مطلب من المطالب ولكن لا يمكن إحلالها محل المورد البشري.

وعودا على المقدمة التي بدأت بها مقالي بأن الحكومة السنغافورية منحت كل الوزراء في الحكومة 60 في المئة زيادة على رواتبهم لا يعني هذا بأن هناك دعما لعكس تلك الزيادات على رواتب الوزراء لدينا ولكن مفاده بأن الحكومة عندما تجازيهم يعني ذلك رضا عن أدائهم وعندما يقابل الزيادات هدوء من الشارع يعني ذلك بأنه استحقاق معقول وبالتالي يتحقق بأن الوزارء لم يوضعوا في تلك المناصب إلا بغرض خدمة عامة الناس وليس بغرض التشريف وجمع الثروات الطائلة وبالمقابل زيادة معدلها بين 14 في المئة و33 في المئة في رواتب كل موظفي الحكومة، المطالب لدينا لم تتجاوز الـ 20 في المئة ومع ذلك ينظر لها بأنها غير واقعية، ألم أقل بأن ما بين البحرين وسنغافورة أمثلة تحتاج لتأمل؟

إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"

العدد 1721 - الأربعاء 23 مايو 2007م الموافق 06 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً