قال الإمام علي (ع) في خطبته المعروفة بالشقشقة: «وطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء يهرم فيها الكبير، ويشيب فيها الصغير، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه»، من الصعب على أي إنسان أن يكون بين خيارين لا ثالث لهما، كما هو حال عبدالله الأحمر فحين دخلت عليه أمه ووجدته يبكى أمامها بحرقة فقالت له «ابك مثل النساء ملكا مضاعا ما لم تحافظ عليه مثل الرجال» لم يكن بكاء عبدالله على ضياع ملكه في غرناطة فحسب إنما يبكي على وضعه الذي آل إليه، إما الموت أو العيش بذل أشفق عليه رسولنا الكريم (ص) حينما أوصى أمته «ارحموا عزيز قوم ذل»، ولم تكن أم الأحمر بأفضل حالا منه فهي تجترع لألم ذاته، وتعيش الخيارات نفسها، تماما كالمريض الذي سأل طببيه عن الحل، ليخيره بين الموت أو الصبر على المرض، هكذا وجدت جمعية الوفاق الوطني الإسلامية نفسها بين ليلة وضحاها بين المقاطعة والمشاركة، بين الموت أو الصبر فهل تهرم قبل أن تشيب؟
ان اختيار الطريق السياسي يعتبر تجربة تاريخية عميقة بحاجة إلى الدراسة والبحث بين آلية الاختيار وتواجهانه من جانب، وطبيعة العلاقة بينه وبين مجتمعه وعالمه الخاص به من جانب آخر، ثمة أمور تحتاج إلى مكاشفة ووقف تأمل. فالوفاق التي ورثت الشارع التسعيني المعارض والمناهض للحكومة آلت على نفسها أن تشرك جمهورها العريض في المشاركة مع الحكم، آملة في أن يكون هذا الخيار هو الأفضل، وبعد أن دار جدال طويل في أروقة الجمعية بين الدخول من عدمه استوت السفينة على الجودِ، وبدأت الوفاق مشوارها التاريخي الجديد بعد ان حشدت قواها للوصول بقائمتها إلى قبة البرلمان فكان لها ما أرادت وهي مدركة تماما أنها ستكون في المجلس العدد المعارض لا المعطل.
لم يكن هذا الخيار بالأمر المقبول لدى جميع أبناء التيار الوفاقي خصوصا انها دخلت بالآليات السارية في المجلس السباق نفسها والتي كانت موضع الاعتراض والمقاطعة، فسرت مقولة ما حدى عما بدى، وقابلتها الوفاق بمقولة الدخول لدفع الضرر.
لم يكن الفصل التشريعي الأول من عمر المجلس النيابي موفقا للوفاق، ولم تكن هي السبب بل على العكس فقد أبدت تعاونا ملحوظا مع الكتل خوفا من توصف بالطائفية، وطرحت أكثر من ملف أبرزها الدفع لتعديل اللائحة الداخلية للمجلس، والمطالبة بإلغاء كلية التعليم التطبيقي، ومعالجة المستوى المعيشي المتدني لآلاف الأسر البحرينية، كما كشفت النقاب عن الكثير من القضايا الخطيرة أبرزها الأراضي الموهوبة، ومنح الجنسية البحرينية لأكثر من 38 ألف شخص خلال فترة تقل عن أربع سنوات. كما عقد نوابها لقاءات مع وزراء الدولة المرتبطة بالجانب الخدماتي منها مناقشة قضية العاطلين عن العمل مع وزير العمل، ومستوى الخدمات الصحية مع وزيرة الصحة.
لم تريد الوفاق إنهاء هذا الفصل التشريعي من دون إرسال رسالة قوية للحكومة، اذ سلمت بصورة مفاجئة الى مكتب رئيس مجلس النواب لائحة طلب استجواب وزير الدولة لشئون مجلس الوزراء الشيخ أحمد بن عطية الله آل خليفة بصفة مستعجلة وذلك بتهم تتعلق بالفساد المالي مقدمة من ثمانية نواب وفاقيين.
وبسقوط الاستجواب سقطت ورقة التوت في أن الدور الرقابي غير موجود فعلا وإن وجد فهو مقتصر على ما ترتضيه الحكومة وليس العكس، وان الاثنين والعشرين عضوا الآخرين هم حكوميون حتى النخاع، ولن يخفف الأمر بدخول احد منهم في التصويت في كل مرة مع الوفاق لان ذلك لن يجدي نفعا، فهو لن يصل الى العدد المطلوب.
لم يكن سقوط الاستجواب، وحضور الوفاق الجلسة بالأمر الهين على بعض الذين ألهبهم الموقف حرارة فراحوا يطالبون الوفاق بالاستقالة متهمينها بالتخبط، وإنها لا تستطيع فعل المزيد، فها هو احدهم سطر رسالته الالكترونية إلى نواب الوفاق قائلا: «ها أنتم وقد تخبّطتم راكبين صعبة ذات شماس، فمرة ذات اليمين، وأخرى ذات الشمال فأنتم سكارى في حيرة لما تفعلون، لا أنتم قادرون على الإقدام والإقدام عزم، ولا أنتم تطيقون الإحجام والإحجام حزم»، هؤلاء لا يعون ان الوفاق دخلت الحلبة السياسية وليست رهينة بالفعل ورد الفعل الذي غالبا لا يكون مساويا له في القوة إلا انه مضاد له في الاتجاه.
الخيارات امام الوفاق في المرحلة القادمة محدودة إما أن تستمر وفقا للمثل الإفريقي «ببطء ببطء… تنمو للبيضة أقدام وتصبح قادرة على السير» وتقدم استجواب من تريد، وتصرح في الصحف، وتسأل الوزراء، وتقدم الحلول، وتقترح الاقتراحات، وتكشف عن مواطن الفساد، وعند ذلك تحدث المفاجآت، وتلعب القوى السياسية بأوراقها، ويبقى لكل حادث حديث، والموقف سيد نفسه، والساحة مفتوحة أمام كل الخيارات.
الوفاق في هذه الحال بحاجة إلى تفعيل الجمعيات والنقابات الأخرى في صورة اتحاد أو هيئة وطنية، من دون الركون إلى الجمهور فقط، إذ إن الجمهور غير المنظم مربك، تماما كما فعل الزعيم الكيني جومو كينياتا المعروف بالرمح الأسود والعضو البارز في جمعية الكيكوبو التي تديرها قبيلة «الكيكوبو» وهي من أكبر القبائل الكينية وأكثرها تضررا من الاستعمار البريطاني، إذ جمع التنظيمات السياسية المحاربة للاستعمار ذات التركيب العشائري المختلف في اتحاد سمي بالمجلس المتحد وكان الهدف هو توحيد نضال سكان كينيا ضد الاستعمار، وكان لهم ما أرادوا ورحل الانجليز، وحققوا شعارهم «يا جورج أنت راحل».
الوفاق اختارت الخيار المر فهي بين حكومة صعبة المراس، ونواب لا يأخذهم في الحكومة لومة لائم، وجمهور عريض يطالب بالتغيير، يعيش بين ضغط الحاجة وقهر التمييز.
فلله درك يا وفاق فما أنت فاعلة؟
إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"العدد 1721 - الأربعاء 23 مايو 2007م الموافق 06 جمادى الأولى 1428هـ