لا أحد يدري أين ينتهي بنا عالم السينما، فالفضاءات المفتوحة تبقى مفتوحة. يتمرد عالم السينما اليوم على أبسط معطيات توصيفه بـ «الفن السابع»، فهو يتمرد على التقنية، ويطوعها لتصبح في ذاتها «جزءا من بنية النوع الفيلمي، وقد ارتبط ذلك بالدراما ذاتها».
وتأتي سينما «الغرائب» أو «الفانتازيا» لتحقق بمرور الوقت جمهورها الخاص، وبالتالي مخرجوها، الذين باتوا يدركون أن قاعدتهم باتت «عريضة». وفي بوتقة هذه الغرائب أتى مهرجان الفيلم الغرائبي أو الفنتازي في بروكسل في دورته الخامسة والعشرين ليؤكد أن لا حدود ولا نهايات موضوعة.
مخرجون وممثلون وفنانون وفنيون وجمهور واسع اكتضت بهم الصالات التي شهدت العروض على مدى اثني عشر يوما، الأفلام غلبت عليها الحداثة في التوقيت، وكان للفنتازيا والرعب والجريمة والخيال العلمي أن تكون المحاور الرئيسية التي دارت الأفلام حولها.
الفيلم الإنجليزي «هوت فاز»
من الأفلام المشاركة بالمهرجان الفيلم الانجليزي هوت فاز للمخرج ادكار رايت قدم نموذجا لامتزاج الفنتازيات بمؤثرات وأنواع سينمائية أخرى. ويتضح ذلك «إذ عمد صانعو هذا الفيلم إلى المزج وبشكل مدهش بين الكوميديا والغرائبية مع الغموض وسائر خواص الفيلم البوليسي». ويضيف أحد النقاد «مما لا شك فيه أن المهارات التي تعكس قدرات فناني الفيلم تتباين في مسألة التعبير عن النوع الفيلمي الفانتازي بامتزاجه مع ما يجاوره من أنواع أخرى وهو احد أهم التحديات التي تواجه صانعي السينما اليوم في قدرتهم على تقديم هذا المزيج الأخاذ الذي يقود المشاهد إلى الانجذاب إلى مستويات متعددة من السرد الفيلمي وهو ما تباينت فيه تجارب المخرجين في هذا المهرجان وبشكل واضح».
وتحكي قصة الفيلم تجربة «رجل شرطة يجري نقله من دائرته إلى دائرة عمل أخرى في ولاية هادئة ونائية عن لندن. وأول ما يلاحظه وهو في طريقه إلى عمله الجديد وفي ليلته الأولى وهو يجول في المدينة وجود مراهقين يتعاطون الخمر وهم دون الثامنة عشرة ومخالفات أخرى وسرعان ما يتخذ إجراء باعتقال هؤلاء لكن يظهر بعد ذلك أن احد المخالفين هو ضابط شرطة وهو ابن مدير مركز الشرطة الذي جاء نقلا إليه ..وهنا تبدأ المفارقات إذ يكتشف أن ذلك القسم يضم تناقضات مضحكة لأناس يديرون البحث الجنائي وكأنهم معتوهون ورجل التحري لا يفهم احد ما يتفوه به من كلام. وهكذا تبدأ المفارقات المضحكة إذ يجد صاحبنا نفسه حائرا في أمره إلى أن تقع سلسلة من الجرائم تهز المدينة الهادئة وبطريقة تنفيذ متشابهة».
وتبدأ رحلة الشرطي في البحث والتحري حتى يكتشف أن إدارة المدينة ورجال الشرطة أنفسهم يشكلون لوبيا للتخطيط للجريمة وهنا تبدأ فصول الملاحقة والمطاردة حيث ينظم ابن مدير قسم الشرطة لذلك الضابط الشجاع الباحث عن الحقيقة.
الإنسان المحاصر بتقنيات العصر
وعلى نمط أفلام شارلي شابلن يأتي الفيلم الروسي «النوارس الوحشية» للمخرج كونستانتان لوبوشانسكي، وتذهب الآراء النقاد على أنه فيلمه «ركز في شريطه السينمائي على مجال الأبحاث في موضوع الجينات حيث صورة روسيا اليوم بعد ما يقرب من عقدين على تصدع الاتحاد السوفياتي السابق أنها بلاد غارقة في إيقاعها البطيء ورتابة أيامها. وهكذا في أجواء ممطرة على طول الفيلم تقريبا تمضي رحلة النوارس الوحشية في تتبع كائنات محاصرة تجرى عليها التجارب وكأننا عدنا إلى أجواء كي جي بي القاتمة».
«أساطير من اليابان»
لقد شكلت الأسطورة بعدا ومكونا أصيلا في التكوين الدرامي للكثير من الأعمال السينمائية الناجحة في الآونة الأخيرة، وما يعتبره البعض نزوحا مباشرا نحو عصر ما بعد الحداثة، حيث العودة للمهمل المستبعد على حساب الواقعي والعلمي.
يقوم فيلم «أساطير من اليابان» على تقديم صور بالغة الروعة للطبيعة والوديان والأنهار بحثا عن أسرار الموشيشي في أجواء القرن العشرين. هي رحلة للذات في بطون الأساطير دون إغراق في تلك البنية المقفلة للأسطورة بل بالعكس كان هنالك كثير جدا من الانفتاح على حقائق العلم ومسايرة فكرة الذات والشيخوخة والسؤال هل تشيخ الطبيعة، كما الإنسان وكيف يؤثر الشر في الكائن البشري. والفيلم هو المحطة الثانية للمخرج اوتومو وهو مبني على قصة للكاتب الياباني اوروشيبارا. ولعل من الملاحظ على تجربة اوموتو اهتمامه الكبير بمفردات المكان وتعبيريته في إطار البناء الأسطوري.
اسم الملك... اختراق العالم الآمن
وتمضي قصص الصراع الغرائبي بين قوى الخير والشر في أفلام المهرجان فبينما يعيش احد أصحاب المزارع في سلام مع أسرته، وإذا به يفاجأ بقدوم جيش لمقارعة فلول الشر التي لا يدري هو من أين جاءت، ولا لماذا تمر المحنة عبر مزرعته وبيته وحياته حتى انه يفقد أسرته التي اختطفت من قبل الأشرار وابنه الذي قتله حيوان وحشي وسط المعضلة.
ويمضي مخرج الفيلم يو بول في تتبع تلك التحولات في دراما متصاعدة ومزيج من الغرائبية والكائنات الوحشية والصراع الذي لا ينتهي بين الأضداد، ويستخدم في سبيل ذلك الكثير من المؤثرات البصرية ويحشد شخصياته باتجاه نوع من دراما قطع الأنفاس ..لكن وسط ذلك كله تنبض العاطفة الإنسانية العميقة لذلك المزارع الذي وقع وأسرته ضحية حرب لا طائل من ورائها وليس هو في كل الأحوال طرفا فيها.
العدد 1721 - الأربعاء 23 مايو 2007م الموافق 06 جمادى الأولى 1428هـ