تُعَرِّف أدبيات حقوق الإنسان الحقَّ في التجمع السلمي «بأن يكون للمواطنين حقُّ التجمع في الأماكن العامة ليعبّروا عن آرائهم بالخَطَابة أو المناقشة أو تبادل الآراء في قضية أو قضايا تهمهم. ويشمل هذا الحق تنظيم الاجتماعات والاعتصام والتظاهر والمواكب» ذلك أن حق التجمع من الحقوق وثيقة الصلة بالحق في حرية الرأي والتعبير الذي هو بدوره حق إنساني أساسي يرتكز عليه إنفاذ حقوق الإنسان الأخرى والمشاركة الكاملة في الحياة العامة.
ومنذ أن أصدرت الحكومة مشروع القانون المتعلق بالاجتماعات العامة والمسيرات والتجمعات تعديلا على المرسوم بقانون رقم (18) للعام 1973، (قانون التجمعات البحريني) تعالت أصوات الجمعيات السياسية والنشطاء الحقوقيين والمنظمات الدولية بإلغاء التعديلات المقيدة والمقوضة للمعايير الدولية في حضور المواطنين البحرينيين التجمعات السلمية والتعبير عن آرائهم. ومن هذه المنظمات منظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمة المادة 19 ومؤسسة بيت الحرية أو فريدوم هاوس ومنظمة العفو الدولية والشبكة الدولية لتبادل المعلومات حول حرية التعبير وغيرها. فهل كانت مخاوف تلك المنظمات بل الأهم مخاوف المواطنين في محلها؟
لقد أثبتت ممارسات قوات الأمن في ندوة النويدرات صحة مخاوف الناس. فالشارع اليوم يتكلم عن الإفراط في استخدام القوة والعنف غير المبرر من قِبل الدولة والمباغتة التي تعرض لها حضور الندوة والمتحدثين فيها، إذ اجتمع المتحدثون والحضور سلميا، وبدأوا الفعالية سلميا وقرأوا الخطاب الأول سلميا أيضا، ليسمعوا فجأة أصوات الطلقات المطاطية ويختنقوا بمسيلات الدموع الكثيفة من دون سابق إنذار.
لحسن الحظ لم يصب أحدٌ برصاصة مطاطية في العين أو الدماغ، كما حدث مع الشهيد محمد جمعة الشاخوري في العام 2003، والذي ذهب ضحية إطلاق الرصاص المطاطي وهو يناصر قضية فلسطين وفي بداية عهد الإصلاح. يتساءل البحرينيون اليوم: لماذا كل هذا العقاب الجماعي لمجرد الرغبة في التعبير عن الرأي؟ الناس يريدون أن يعبّروا عن آرائهم في عهد الديمقراطية. أهذا حرام أيضا؟ ماذا يحدث؟ هل رجع قانون أمن الدولة؟ البعض الآخر يقول: هل ذهب القانون أصلا ليعود؟ فهو موجود موجود ولكن بدرجات... حضور ندوة النويدرات كانوا جالسين مستمعين ولم يمشوا في مسيرة ولم يشعل الشباب الحرائق ولم يشتبه في أحد في التخريب، فلماذا هذه الوحشية؟
الواقع أن سلوك القوات الأمنية ومن أصدر الأوامر كسب ازدراء الناس وامتعاضها من هذه الأساليب الجاهلية، في الوقت الذي تدعو فيه المعارضة كافة الناس وخصوصا الشباب إلى الهدوء والعقلانية؛ لأن لا أحدَ يضمن نتائج استخدام العنف، ولا يتمنى أي عاقل تحميل أمه أو أخته أوعائلته عواقب انقطاع التيار الكهربائي والحرائق والدمار المذموم. تعديلات قانون التجمعات رقم (32) للعام 2006 كما لاحظ الجميع صيغته بروح أمنية عقابية، لا تليق بالمملكة كعضو في مجلس حقوق الإنسان الجديد في الأمم المتحدة، فهي مليئة بعقوبات الحبس وصلاحيات مفرطة لمراقبة الأنشطة السلمية والسيطرة عليها وتتجاوز كثيرا المتطلبات المشروعة للنظام والسلامة العامين. رئيس ورجال الأمن العام يتدخلون من حيث تغيير زمان الاجتماع أو مكانه وفق تقديرهم الخاص وهناك عقوبة الحبس في حالات كثيرة، وكأن لسان حال المشرع يوصي الناس بالتزام الصمت المطبق والبقاء بالبيت ويثنيهم عن المشاركة في التعبير المشروع عن الأفكار والمشاركة في الحياة العامة خوفا من العقوبات!
في بريطانيا تقوم الهيئات بتشجيع الناس على الانخراط في الشأن العام والعمل السياسي والتعبير عن الرأي، وتُصْرَف الموازنات على البرامج الموجهة إلى الشباب والكبار لتحفيزهم إلى زيادة المشاركة، وانظروا حالنا في البحرين.
المواثيق الدولية وواقع البحرين
تكفل المواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان حق التجمع السلمي، وذلك في المادة 20 الفِقرة 1 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتي تفيد «لكل شخص حق في حرية الاشتراك في الاجتماعات والجمعيات السلمية»، وكذلك في المادة 29 الفِقرة 2 من الإعلان نفسه «لا يخضع أي فرد، في ممارسة حقوقه وحرياته، إلا للقيود التي يقررها القانون مستهدفا منها، حصرا ضمان الاعتراف الواجب بحقوق وحريات الآخرين واحترامها، والوفاء بالعادل من مقتضيات الفضيلة والنظام العام ورفاء الجميع في مجتمع ديمقراطي»، أما الفِقرة 3 من المادة 29 فتقول: «لا يجوز في أي حال أن تمارس هذه الحقوق على نحو يناقض مقاصد الأمم المتحدة ومبادئها».
يبدو أننا نفهم المبادئ والمعايير العالمية بالمعكوس، فكل القوانين المنظمة تأتي لتحد من الحريات الدستورية وتزيد عليها القرارات والتأويلات في مصلحة الحكم، فهي مُصَمَّمة للمزيد من الانتهاك لحقّي حرية التعبير وحرية الاشتراك في النشاط السياسي والحق في الخصوصيات.
أما المادة 21 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية فتنص على «يكون الحق في التجمع السلمي معترفا به. ولا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي تُفرض طبقا للقانون وتشكل تدابيرَ ضرورية، في مجتمع ديمقراطي؛ لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم».
وفيما يتعلق بالإخطار فقد طالبت منظمة العفو الدولية مجلس الشورى في خطاب خاص العام الماضي بإلغاء المادتين 13 (أ) و13 (ب). إذ رأت المنظمة أن «فرض عقوبات شديدة على التقاعس عن تقديم إخطار مسبق غير مناسب أبدا في حالة المشاركين الذين قلما يملكون القدرة على تأكيد إذا ما كان إجراء الإخطار قد تم التقيد به بشكل صحيح أم لا، ومن غير المناسب فرض هذا الواجب على المشاركين».
إن العقوبات مفرطة وغير متناسبة مع سلوك يتعلق بالكلام. وسواء أوجد إخطار أم لم يوجد في أي من الاجتماعات البحرينية العامة، فإنه ليس من العدل البدء بإطلاق الرصاص والغاز أولا على أي حشد مسالم فيه ومن دون شك من يعاني من كبر في السن أو الأمراض المختلفة والخطيرة أو الإعاقات. من المفترض - إن كان رجال الأمن موجودين لحماية الناس كما يدعون - أن يُعلِموا الناس وبوضوح ومرارا عبر مكبرات الصوت المسموعة حتى يختار الناس بأنفسهم ردة فعلهم ويتحمّلوا نتائج بقائهم، لا أن يدفعوا إلى الاختناق دفعا وطلقات الرصاص المطاطي غير المميز بين عين أو قلب أو غيرهما.
إن ما يشهده شعب البحرين اليوم يتنافى مع المعايير الرفيعة في تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها والتعاون الحضاري مع النصوص الدولية المكرسة لحقوق الإنسان الأساسية المذكورة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بما فيها الحق في حرية التعبير والحق في حرية الاجتماع. وخصوصا بعد أن كررت الحكومة البحرينية تمسكها بتلك الواجبات في التعهدات التي قدمتها إلى مجلس حقوق الإنسان ورحبت بالتصديق على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. إن الديمقراطية ليست أقوالا أو ثوبا يلبسه الشعب وفق طراز معين يناسب الحكام، بل هي ممارسة وثقة متبادلة بين الحاكم والمحكوم وهي شراكة في إدارة شئون البلاد. المطلوب ليس المزيد من الإخطار والعبودية واستجداء التراخيص، فلا نريد الدفاع عن القيود والضبط الأمني بل المطلوب المزيد من المشاركة الشعبية المسئولة وتنقية القوانين الجائرة من الانتهاكات ورفع سقف الحريات العامة وكرامة الإنسان البحريني.
إقرأ أيضا لـ "فريدة غلام إسماعيل"العدد 1720 - الثلثاء 22 مايو 2007م الموافق 05 جمادى الأولى 1428هـ