أكثر من ذلك فاليوم، وبعد مرور نصف قرن على انعقاد أول مؤتمر رسمي عربي كرّس إلزامية التعليم في البلاد العربية، لا يبدو المشهد الراهن مُنبئا بتحقيق الأهداف التي وضعتها الدول العربية لنفسها. وتشير توقعات لمنظمة الأليكسو إلى أن عدد الأميّين في العالم العربي سيرتفع إلى 70 مليون شخص خلال العام الجاري. وطبقا لدراسة داخلية أعدّتها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «الأليكسو»، التي يوجد مقرها في تونس، فإن نسبة الأميّـة في العالم موزعة إلى صنفين: الأول، تمثله القارات والبلدان التي تقل فيها الأميّة في العام 2005 عن 20 في المئة، وهي أوروبا، والولايات المتحدة، وأميركا اللاتينية، وشرق آسيا والمحيط الهادي. أما الثاني، فتمثله القارات والمناطق التي تتجاوز فيها الأميّة حاجز الـ 20 في المئة في العام نفسه، وهي خمس مناطق: إفريقيا شبه الصحراوية (34 في المئة)، وآسيا (22 في المئة)، وإفريقيا (35 في المئة)، والبلدان العربية (35 في المئة)، وجنوب غرب آسيا (41 في المئة). وهكذا، تأتي المنطقة العربية في الرّتبة قبل الأخيرة في العالم من حيث نسبة انتشار الأميّة فيها.
ما يشار له هنا هي تلك الدراسة التي سُلّمت في العام 2006 لوزراء التربية العرب، والتي أظهرت أن الخط البياني لتطور الأميّة عبر العقود الأخيرة، مازال في تزايد مُـستمر من حيث الأعداد المطلقة، وإن كانت نسبة الأميّـة تميل إلى الانخفاض التدريجي نظرا للارتفاع المطرد في عدد سكان العالم العربي.
ففي العام 1970، وصل عدد الأميّين إلى 50 مليون أمّي (أي بنسبة 73 في المئة من الفئة التي تزيد أعمارهم عن 15 عاما)، ثم ارتفع في العام 1990 إلى 61 مليون أمّي (بنسبة 49 في المئة من الفئة نفسها)، وفي العام 2000، قدّرت الأليكسو أن العدد وصل إلى 66 مليون أمّي، وتتوقع أن يبلغ 70 مليونا خلال العام الجاري، إذا ما استمرت جهود مكافحة الأميّة على المنوال نفسه.
أما رئيسة جامعة الخليج العربي في البحرين رفيعة عبيد غباش فقد عرضت في مداخلتها - في اليوم الأول للملتقى العربي للتربية والتعليم الواقع وسبل التطوير الذي دعت إليه مؤسسة الفكر العربي بالاشتراك مع خمس منظمات هي: اتحاد الجامعات العربية ،ومكتب التربية العربي لدول الخليج، ومكتب اليونسكو الإقليمي للدول العربية ،والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ،- كاريكاتورا نشرته جريدة الأخبار المصرية لوزير التعليم المصري حسين كامل بهاء الدين يقول فيه الوزير ما معناه: إن حصيلة التعليم في مصر على مدى الثلاثين عاما الماضية هي صفر!.
وعلى مستوى التعليم العالي تشير دراسة نجاح كاظم نشرتها صحيفة الشرق الأوسط اللندنية في عددها رقم 8991 الصادر بتاريخ 11 يوليو/ تموز 2003 يقول فيها: «تعاني المؤسسات الجامعية وميدان التعليم في البلاد العربية، في هذه المرحلة، من تخلف تام. ومازالت المؤسسات التعليمية ذات قواعد قديمة تقليدية لا تتلاءم والمعطيات المتطورة لمبادئ أو نظريات التعليم الحديث، وتفتقد المقومات الأساسية المميزة للجامعة العصرية التي تشمل نظم تعليم جديدة لتطوير المناهج العلمية للدراسة، تساهم في عملية الخلق والإبداع عند الطلاب، وليس التلقين الذي هو الحالة السائدة، وكذلك لخلق مناخ الانفتاح الدراسي عبر أبسط مقومات الأثاث والمكتبات مع أساليب التوثيق الحديثة ووسائل الإيضاح باستخدام الصورة وأفلام الفيديو والأجهزة العارضة، والمختبرات العلمية والأجهزة الحديثة، وسبل استعمالها وصياناتها ودعمها، وخلق مناخ دراسي صحي وجو المثابرة للعمل والإنتاج، وعدم تضييق مدارك الإنسان أو تسييس مراكز التعليم، واستقطاع حصص التدريس للخروج في مظاهرة أو الاحتفال بمناسبة».
تؤكد ذلك أيضا مداخلة برهان غليون «المعرفة العربية أمام تحدي الاستقلال والحرية»، في مؤتمر الحريات الأكاديمية واستقلال الجامعات في البلاد العربية الذي عقد في عمّان عاصمة المملكة الأردنية والتي يقول فيها: «لا يقتصر ما يشكو منه التعليم العالي والبحث العلمي على نقص الحرية عند الباحثين والأكاديميين عموما. فهو يعاني من مشكلات عديدة أخرى تشمل المناهج وطرق التعليم ونقص الوسائل ومناهج البحث وتأهيل الملاكات الإدارية والعلمية معا. لكن يظل الافتقار إلى الحريات الأكاديمية وإخضاع التعليم العالي والبحث العلمي لأجندة إعادة إنتاج النظم السياسية الأقلوية والدفاع عنها هو مفتاح فهم هذه المشكلات جميعا وفي مقدمتها استمرار تفاقم الفجوة العلمية والتقنية القائمة بين العالم المتقدم والبلاد العربية».
وصدر عن ذلك المؤتمر إعلان يلفت أنظار المسئولين والرأي العام معا إلى مخاطر تجاهل حاجات التنمية العلمية والاستمرار في ربط الإصلاحات المنتظرة في هذا المجال بأجندة الدفاع عن نظم سياسية تفقد أكثر فأكثر سيطرتها على الأوضاع والتطورات الداخلية والخارجية.
كل ما نتمناه أن تتصدّى «مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم» لهذه المشكلات وتعمل على حلها. فإنشاء المؤسسة، على رغم أهميته، يبقى الخطوة الأولى على الطريق.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1719 - الإثنين 21 مايو 2007م الموافق 04 جمادى الأولى 1428هـ