العدد 1719 - الإثنين 21 مايو 2007م الموافق 04 جمادى الأولى 1428هـ

إطار جديد للأزمة اللبنانية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

المواجهة الأمنية التي اندلعت في شمال لبنان وتمحورت مبدئيا في مدينة طرابلس وعلى أطراف مخيم نهر البارد الفلسطيني أدت إلى سقوط 65 ضحية ويرجح أن يتسع نطاقها السياسي في الأيام المقبلة في حال تأخرت القوى الفاعلة والعاقلة في تطويق الأزمة التي افتعلت لحسابات غير لبنانية وفلسطينية.

من افتعل الهجوم على مخافر الجيش ومواقعه العسكرية ليس بريئا وهو حين اتخذ القرار درس كل احتمالاته وتداعياته المحلية والإقليمية. فالتوقيت جاء عشية اجتماع مجلس الوزراء لبحث موضوع «المحكمة الدولية» وإرسال وفد إلى الأمم المتحدة لمتابعة حيثيات المسألة. والتوقيت أيضا استفاد من كل تلك الفراغات الأمنية والانقسامات السياسية بين اللبنانيين. وحين تكون القوى المحلية موزعة على ولاءات أهلية تصبح إمكانات الزعزعة وضرب الاستقرار مسألة سهلة لأن الطرف المستفيد يستطيع الاختباء خلف تسميات مفتعلة أو مستحدثة من منظمات لها دورها في الساحات. ففتح الكبرى أعلنت براءة جهازها الأمني والتنظيمي من الحادث المفتعل. والهيئات المسلمة والفاعلة في الشمال أعلنت عدم مسئوليتها عن الهجوم المدبر. كذلك فعلت كل الفصائل والأحزاب الفلسطينية واللبنانية.

إذا، مَنْ أقدم على هذه الفعلة ولماذا ولمصلحة مَنْ؟ فإذا كانت «فتح الإسلام» ليست فتحاوية وليست مسلمة، وإذا كانت غير لبنانية وغير فلسطينية، فمن تكون إذا؟ ومن هو الطرف الذي له مصلحة في استخدام أسماء فلسطينية وإسلامية لجرجرة البلد نحو فتنة داخلية ودفعه باتجاه التصادم الأهلي؟

مشروع زعزعة استقرار لبنان ليس جديدا. فهو بدأ مباشرة بعد توقف العدوان الأميركي - الإسرائيلي في الصيف الماضي. وقضى المشروع الدولي - الإقليمي باستكمال خطة التقويض من الداخل من خلال إشغال القوى ببعضها تمهيدا لإشعال فتنة طائفية/ مذهبية تتوج سياسة التحطيم التي قررتها حكومة تل أبيب. آنذاك كاد المشروع أن ينجح لو لم تتدخل جامعة الدول العربية وتبادر الرياض وطهران إلى وقف خطة الفتنة التي كادت أن تقع وبرزت مظاهرها في أكثر من مكان وزمان.

أدى هذا التوازن السلبي الدولي والإقليمي والمحلي إلى تجميد مشروع التفجير الطائفي/ المذهبي، ولكنه أبقى على عناصره المتوترة من دون حل. فالمشكلات قائمة وهي لاتزال تراوح مكانها سواء على مستوى تشكيل حكومة بديلة أو توسيع الحكومة الحالية، أو على مستوى الاختلاف على مسألة «المحكمة ذات الطابع الدولي»، أو على مستوى اختيار رئيس جديد للجمهورية وضرورة التوافق عليه وانتخابه في سبتمبر/ أيلول المقبل.

المشكلات اللبنانية إذا لاتزال تشتعل تحت الرماد وهي في عمقها الجغرافي وامتدادها الإقليمي ليست بعيدة عن تدخلات دولية وجوارية لها مصلحة في عدم استقرار البلد الصغير وتعطيل إمكانات إعادة إنتاج تسوية تقارب الصيغة المتعارف عليها في الدستور.

ما حصل أمس الأول في الشمال واستمر التوتر على حاله يوم أمس ويرجح ألا يتوقف في القريب العاجل ويحتمل أن يتوسع في أرجاء مختلفة كما حصل في الانفجار المدبر الذي وقع بالقرب من مجمع تجاري في منطقة الأشرفية المسيحية... ليس مجموعة مصادفات وقعت من دون تخطيط وتوجيه وإشراف. فالطرف المستفيد الذي خطط خلال تسعة أشهر لتفجير فتنة طائفية/ مذهبية تبدأ من وسط بيروت وفشل في مشروعه يرجح أن يكون هو الطرف الذي خطط لافتعال ذاك الاختراق الأمني في طرابلس والشمال اللبناني.

الفشل في بيروت ربما يكون هو السبب الذي دفع الطرف المستفيد من زعزعة الاستقرار إلى نقل مشروع الفتنة من العاصمة إلى الشمال. فالجهة التي لها مصلحة انتظرت طويلا من دون جدوى فقررت إعادة النظر في برنامج التفجير وأدواته وحيثياته.

أبعد من «فتح الإسلام»

اختيار «فتح الإسلام» ليكون هو الإطار الذي تتحرك من ضمنه الفتنة ليس عفويا. فالتنظيم جديد ومجهول ومفبرك ولا قيمة له ولا وزن لقواعده. فالكل تنكّر للتنظيم وأعلن عدم علاقته به. وإعلان البراءة من قبل المنظمات الفلسطينية واللبنانية الكبرى يؤكد نظرية الاختراق الأمني والمخابراتي لمثل هذا الجهاز المعدوم ميدانيا. وصغر الجهاز لا يعني ضعفه فهو يمتلك القدرة على جرجرة الساحة إلى تجاذبات حساسة تطيح بالكثير من التفاهمات والاتفاقات. وهذا ما حصل في العراق حين نجحت تنظيمات مجهولة الاسم والمصدر في افتعال فتنة طائفية/ مذهبية أدت إلى إعادة تشكيل بلاد الرافدين أهليا وتوزيع الناس على مناطق متجانسة تمهيدا لتكريس «فيدراليات» محلية. وهذا أيضا ما بدأ يظهر في فلسطين حين قامت شبكات مجهولة بزعزعة الثقة بين أنصار «فتح» و «حماس» ودفعت بالقوى المحلية إلى التضارب والاقتتال.

ما يحصل في شمال لبنان ليس بعيدا عن هذه الفضاءات الدولية والإقليمية وما يقال عن تفاهمات تطمح إلى إعادة توزيع الحصص في ساحات مختلفة. فالدولة اللبنانية أو ما تبقى منها وقعت في مشكلة الآن. فهي وضعت أمام تحدٍ كبير يتجاوز قدراتها وإمكاناتها العسكرية ويمكن أن يورطها في مصادمات غير محسوبة تفتعلها خلايا وشبكات مجهولة الاسم والمصدر كما هو حال العراق وفلسطين. وكل الخيارات التي يمكن أن تقررها الحكومة صعبة. فهي وضعت في مواجهة مفتعلة مع ما يسمى فتح الفلسطينية (المخيمات) كذلك فتح الإسلامية (شبكات وخلايا لا يعرف من يدربها ويسلحها ويفتح لها الأبواب للمرور والتسلل).

هذه المشكلات موضعية، ولكنها سياسية في جوهرها. وهذا ما ظهر أمس خلال اجتماع الحكومة مع رؤساء وقادة الفصائل الفلسطينية الكبرى في لبنان. فالمنظمات أعلنت دعمها للجيش اللبناني واستنكرت حوادث الاعتداء على حواجزه ومواقعه، ولكنها رفضت السماح للدولة بالدخول إلى المخيمات الفلسطينية.

هناك مشكلة إذا. فالفصائل مع الدولة خارج المخيمات وضدها داخل المخيمات. وهذا الأمر يصب في مصلحة ذاك التنظيم المجهول الهوية والعنوان. والطرف الذي افتعل المشكلة خطط لهذا الاحتمال وراهن عليه حين قرر استدراج الدولة إلى معركة مع المخيمات لحسابات إقليمية لا يستفيد منها سوى الجهات التي تملك مصلحة في زعزعة استقرار البلد وإرهاقه بالاضطرابات والفتن.

إلى مشكلة المخيمات تواجه الدولة أيضا معضلة التعامل مع مجهول يرفع يافطة الإسلام. وهذا يعني أن ما تبقى من مؤسسات ستواجه أزمة مفتعلة مع شارع موزع الأهواء والولاءات. فاليافطة كبيرة وعريضة ويستطيع أن يدخل تحتها «ما هب ودب» من فصائل وقوى لا يعرف أصلها من فصلها. وفي حال تورطت الأجهزة في مثل هكذا مشكلة مركبة ومعقدة تقوم على قاعدتي فلسطين والإسلام فإن احتمالات احتواء الأزمة المفتعلة ستصبح كبيرة وممتدة إقليميا ومحليا.

من افتعل المعركة الأمنية في طرابلس والشمال وانسحب سياسيا إلى داخل المخيمات الفلسطينية خطط مسبقا لهذا الاحتمال ودرس كل الملحقات والتداعيات التي يمكن أن تؤسس لفتنة من نوع مختلف عن ذاك المشروع الذي فشل في بيروت.

الحكومة اللبنانية في ورطة الآن. فهي لا تستطيع التقدم عسكريا إلى داخل المخيمات من دون توافق سياسي مع الفصائل الفلسطينية الكبرى على الموضوع. وهي أيضا لا تستطيع ترك المسألة من دون حل في إطار ضغوط محلية تشجع الدولة على اتخاذ مبادرة، والمغامرة في الدخول. وبين هذه وتلك يمكن القول إن الطرف صاحب المصلحة في تفجير الوضع اللبناني الداخلي نجح في حدود نسبية في افتعال مشكلة جانبية، ولكنها تفتح الباب أمام احتمالات ليست بسيطة في حال لم يتم احتواء الأزمة الأمنية والسيطرة على عناصرها التفجيرية.

الوضع اللبناني ليس جيدا منذ فترة طويلة بدأت مع تجديد ولاية الرئيس اميل لحود في العام 2004 لمدة ثلاث سنوات. وهذه السنوات شارفت على الانتهاء، ولكنها أسست انقسامات جديدة أعيد إنتاجها على ولاءات أهلية وتجاذبات طائفية ومذهبية. ومثل هذا التوتر لا يقود في النهاية سوى إلى الفوضى التي أشار إليها المبعوث الروسي حين تحدث عن تأليف المحكمة أو حين أشار إليها المبعوث الأميركي الذي أثار مسألة الفراغ الدستوري عندما تطرق إلى انتخابات رئاسة الجمهورية في سبتمبر المقبل. والمواجهة الأمنية التي افتعلت في شمال لبنان ليست بعيدة عن تداعيات الاحتمالين وهي في النهاية غير معزولة في أسبابها ومسبباتها ونتائجها عن تلك المشاهد والنماذج في العراق وفلسطين.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1719 - الإثنين 21 مايو 2007م الموافق 04 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً