العدد 2258 - الإثنين 10 نوفمبر 2008م الموافق 11 ذي القعدة 1429هـ

كيف نبني سلاما مستداما ؟

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

منذ الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول والنزاعات التي طال أمدها في أفغانستان والعراق، انتشرت المبادرات الهادفة إلى رعاية تفاهم أفضل بين الأديان والثقافات المختلفة، وخاصة عند ربطها بالعلاقات بين المسلمين والغرب. ولكن هل لأي من هذه المبادرات أثر حقيقي على الرأي العام؟ وهل باستطاعتها الحد من التهديدات التي تشكلها التوترات التي تولدها العقائد المتطرفة؟

تلك أسئلة هامة لكل الذين يؤمنون ببناء الظروف لتعايش سلمي على المدى البعيد. وهي كذلك أسئلة هامة لتحالف الأمم المتحدة للحضارات، وهي مبادرة أطلقت قبل ثلاث سنوات من قبل إسبانيا وتركيا، تدعمها اليوم أكثر من تسعين دولة ومنظمة، للمساعدة على درء تهديد الاستقطاب والتطرف.

لا يمكن حل النزاعات السياسية إلا من خلال الحوار السياسي. إلا أن الحل بعيد الأمد للتوترات بين المسلمين والمجتمعات الغربية، على سبيل المثال، لن يتحقق طالما بقيت بعض أسباب العداوة الفاضحة، مثل الحروب في أفغانستان والعراق وغيرهما، دون حل ناجح.

نادرا ما تنجح المفاوضات والاتفاقيات السياسية إذا لم تدعمها بقوة المجتمعات ذات العلاقة. تعثرت العديد من مفاوضات السلام في السابق بسبب الشكوك المعمقة واستمرار الأعمال العدائية، الأمر الذي يفصل بين الناس على خطوط ثقافية ودينية، وأفضل الأمثلة على ذلك النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.

تتطلب عملية إيجاد الظروف المناسبة للسلام المستدام جهودا من نوع آخر، تستهدف إيجاد تحول ذهني بين المجتمعات المفرّقة. ويمكن تحقيق ذلك من خلال غرس قيم التسامح والاحترام تجاه «الآخر» بين بني البشر، وخاصة الشباب. وتساهم نشاطات بين الأفراد والجماعات وهي ما تعرف بدبلوماسية المدن، وبرامج التبادل بين الشباب، والتربية المجتمعية في تحقيق هذا الهدف.

تساعد هذه المحاولات على تمهيد السبيل نحو حوار سياسي ناجح. وهي تدعم، بعد النزاع العملية الطويلة المضنية نحو التسامح. وعندما يكون التعايش السلمي بين مختلف المجتمعات مهددا بالتوترات الشديدة، يمكن لهذه الجهود أن تساعد على منع تطور النزاعات من حيث المبدأ.

يجب تحقيق التقدم على مستويات متعددة. يجب ربط السياسات الحكومية بشكل أوثق مع مبادرات المجتمع المدني الهادفة إلى التوسط والتسوية بين المجتمعات المفرّقة. وحتى يتسنى ذلك يعمل تحالف الحضارات عن كثب مع شبكة تضم 91 دولة وعددا ضخما من المنظمات العالمية لتشجيع المبادرات عبر الثقافات على المستويات الوطنية والإقليمية. وتقوم الحكومات بتطوير خطط وطنية وبناء شراكات مع المجتمع المدني لدعم برامج تبادل الطلبة وتدريب القيادات الشبابية ومشاريع التعليم عبر الثقافات.

وحتى يتسنى تشجيع التسامح والتفاهم، نحتاج كذلك لمشاريع عملية تشجع التعاون بين المجتمعات لتحقيق الاحتياجات المحلية ذات العلاقة.

على سبيل المثال، أطلقت حكومة قطر في يناير/ كانون الثاني مبادرة لتشغيل الشباب كلفتها مئة مليون دولار عنوانها «صلتك». وقد حصل هذا المشروع الطموح، الذي سيتعامل مع البطالة بين الشباب العرب في الشرق الأوسط ويقدم لهم احتمالات للمستقبل، على دعم تجاري دولي من شركات كبرى والمجتمع المدني ومؤسسات خيرية. وتتسامى هذه الشراكة على الفروقات والخلافات الوطنية والثقافية والدينية بهدف المساعدة على إطلاق عملية إيجاد فرص عمل في جزء من العالم هناك حاجة فيه إلى مئة مليون فرصة عمل خلال السنوات العشرين المقبلة.

تشجع «صلتك» الحكومات العربية على الانخراط في تغيير السياسات المتعلقة بالبطالة في أوساط الشباب. سوف توفر أعمال التدريب التي يقودها المجتمع المدني للشباب مهارات جديدة هم في أمس الحاجة إليها لزيادة مجالات حصولهم على فرص عمل. وسوف تقوم المؤسسات متعددة الأطراف والبنوك بإصدار قروض متناهية الصغر للمساعدة على تحفيز روح الابتكارية في المنطقة. هذه الشراكة الساحرة بين الدول العربية وعبر القطاعات يجري تشكيلها اليوم لجعل هذه الأهداف واقعا.

ومن الأمور ذات الأهمية المسارية كذلك في تمهيد الطريق نحو السلام المستدام، التعامل مع قضايا الإجحاف والتصوير النمطي التي تزيد من انعدام الثقة بين الشعوب من الثقافات المختلفة. يمكن للحوار السياسي أن يرسي قواعد العلاقات الدبلوماسية، إلا أن التغيير الحقيقي يأتي من خلال مباشرة الناس النظر إلى «الآخر» على أنه شريك في الإنسانية.

وتلعب صناعة الأفلام دورا مهما في تشكيل وجهات النظر. بدعم من ثلاث شركات تقدمية من هوليوود، بما فيها تلك التي قامت بإنتاج أفلام «سوريانا» و «حقيقة غير مناسبة»، تم إيجاد صندوق إعلامي بقيمة 100 مليون دولار هذه السنة لدعم التيار الرئيس في صناعة إنتاج الأفلام التي تتحدى الصور النمطية للأقليات. وبحسب رأي الملكة نور الأردنية، وهي مؤسسة مشاركة في الصندوق، ستدعم هذه المبادرة «إنتاج وتوزيع الأفلام التي تعمل على الترفيه إضافة إلى التنوير».

تلك جهود طويلة الأمد ولن تثمر بين ليلة وضحاها.

إلا أنه يجب عدم التقليل من أهميتها. فهي أساسية لعملية بناء السلام المستدام، مثلها مثل التوسط والمفاوضات السياسية الصعبة. وهي بالتأكيد تساعد على إرساء قواعد الحوار السياسي وتوفير الدعم الذي يجعل التعايش والسلام أكثر استدامة وإمكانية وقدرة على البقاء.

* الرئيس السابق للجمهورية البرتغالية (1996 - 2006) وممثل الأمم المتحدة الأعلى لتحالف الحضارات، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2258 - الإثنين 10 نوفمبر 2008م الموافق 11 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً