يحلو للمراقب أن يرصد ارتدادات موضوع «فشت الجارم» على الرأي العام، وخصوصا تفاعلات الأطراف المعنية مع الموضوع، لما يمثله من إمكانات واعدة لمستقبل البحرين.
أبدأ برصد أول ردود الفعل، إذ بعثت قارئةٌ برسالةٍ عن طريق الفاكس، تشكر فيها «الوسط» على الرحلة «الرائعة التي امتعتمونا بالحديث عنها، فياليتنا كنا معكم». وتضيف: «بعد اطلاعي على الرحلة تحمّست كثيرا لزيارة الفشت الذي لم أسمع عنه من قبل». ثم تقدم اقتراحا أن تتبنى الصحيفة رحلة إلى الفشت، وخصوصا أن البحرينيين يفتقرون إلى مثل هذه الأماكن الترفيهية النظيفة، وإغلاق غالبية السواحل في وجوههم.
وتكمل المواطنة رسالتها بالقول: «الرحلة يمكن ألاّ تكون مجانية، وأنا أول المستعدين للذهاب، شرط ألاّ تزيد الرسوم على خمسة دنانير لأني فقيرة». ونقول: الفقير فقير القيم والأخلاق، وأنت غنيةٌ بهذا الوطن والشعب، والوطن غني بأمثالك ممن يهيمون عشقا بأرضهم، وكثيرون اتصلوا بـ «الوسط» للتعبير عن الأمنية ذاتها.
وإذا جاءت كلمات المواطنة بهذه الصورة العفوية الرائعة، فإن الزميلة بثينة قاسم كتبت مقالا بعد أن مزّقت دفاترها وقصدت «فشت الجارم»، واختارت أن تختتمه بأبياتٍ شعريةٍ نظمتها على «أطلال الفشت»، ومما قالته:
فهنا السكينة والصـــــــــــفا وذا أعز مغانمي
في خيمةٍ منصــــــــــــــــــــــوبةٍ فوق التراب الناعم
أما الزميلة عصمت الموسوي فبعد أن تساءلت عن الوزير المختص، هل هو وزير الإعلام أم البلديات أم الإسكان، وجّهت «اقتراحا برغبة» لجمعية الصحافيين بالإيعاز للوزير لترتيب جولة خاصة بالصحافيين إلى الفشت، وتقول «فهي رحلة لا أشك في أنها ستكون ممتعة وغير مسبوقة، وستساهم في خلق يوم استثنائي في حياتنا الروتينية»، وأثنّي على كلامها متمنيا لو تتاح الفرصة لشعب البحرين كله لزيارة الفشت، بعد أن زرته مرتين خلال خمسة أيام، وامتلأ صدري برائحة البحر ونسائمه الندية.
ثلاثة آراء نسائية النكهة، قابلها رأي رجالي للزميل محمد العثمان، الذي تحدّث بلغة الخبير بالبحر، مستعرضا ما لديه من معلومات ثرية عن المنطقة التي أبحر فيها مع جدّه مذ كان عمره اثني عشر عاما، «حتى تمزقت أيدينا من فشوت اليارم وقصاصيره... فنحن نعرف الفشت قطعة قطعة»، كما قال.
العثمان المسكون بهمّ الأرض «المنهوبة» و«المسروقة»، طالب النواب بأن يشرّعوا قانونا لحماية الأراضي المغمورة، وإدراجها ضمن المحافظات الأقرب، لئلا تظل بحارنا نهبا هكذا. وفي الوقت الذي أكّد أن عملية البيع تمّت، وأن حجم المساحة التي بيعت من الكبر بحيث لم توضع الخريطة على نسخة ورقية بل على (سي دي)، فإنه خاطب النواب قائلا: «ماذا تريدون يا نواب لكي تتحركوا؟». وتحدّاهم بأن يتمكنوا من استخراج وثيقةٍ واحدةٍ عن فشت الجارم، وتنبأ بأنه سيتم إسكاتهم كما جرى في مناسبات أخرى، من قبيل التهويل من «أزمة» بين المجلس والحكومة، أو «الطابور الخامس»، أو المشروعات الإيرانية لشراء حالة بوماهر!
فشت الجارم ليس مسألة شخصية ولا طائفية ولا مناطقية، وإنما هي قضية تهم الجميع، فهو ثروةٌ وطنيةٌ ومائدةٌ ربانيةٌ يستفيد منها البحارة والصيادون من جزيرة المحرق حتى جزيرة سترة، وانتهاء ببحارة الساحل الشمالي من باربار والدراز. وهكذا فإن له علاقة مباشرة بحاضر ومستقبل شعب البحرين، وحتى الآن فإن نفي بعض الوزارات للصفقة، لا يحمل الكثير من الطمأنينة لقلوب الكثيرين. حتى والدتي التي سمعت عن «فشت الجارم» لأول مرةٍ في حياتها يوم الجمعة الماضي ونحن على مائدة الغذاء، قالت ببراءة ربات البيوت: «ويش فيها الحكومة... حتى البحر باعوه؟». أتمنى ألاّ يكون ذلك صحيحا!
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1717 - السبت 19 مايو 2007م الموافق 02 جمادى الأولى 1428هـ