العدد 1717 - السبت 19 مايو 2007م الموافق 02 جمادى الأولى 1428هـ

الإسلام والعنف

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

على رغم أن الأعمال البشعة والعمليات الإرهابية التي يرتكبها المتطرفون العنيفون تربط بين الإسلام والإرهاب، فإن التقاليد الإسلامية تضع حدودا لاستخدام العنف وترفض الإرهاب وخطف الطائرات وأخذ الرهائن، وكما هي الحال في الديانات الأخرى، يتم تجاهل وتشويه أو اختطاف وسوء تفسير التعاليم الرئيسية والمعيارية من قبل العناصر المتطرفة.

الإسلام، مثله مثل كل الأديان العالمية، لا يدعم ولا يتطلب عنفا غير شرعي. القرآن الكريم لا ينادي بالإرهاب ولا يشجعه. إله القرآن يصوَّر دائما كإله رحمة وتعاطف ويصوَّر قاضيا عادلا. وتبدأ 113 من فصوله الـ 114 بالإشارة إلى رحمة الله وعدالته. إلا أن الإسلام يسمح، بل يتطلب في بعض الأحيان من المسلمين أن يدافعوا عن أنفسهم وعن عائلاتهم وعن دينهم وعن مجتمعهم من العدوان.

ومثلها مثل كل الكتب الدينية يجب قراءة الكتب السماوية المسلمة ضمن المفاهيم الاجتماعية والسياسية التي نزلت فيها. وليس من الغريب أن يحتوي القرآن الكريم - مثله مثل الكتب الدينية العِبْرِية أو العهد القديم - على آيات وسور عن القتال وإدارة الحروب، فقد ابتليت الجزيرة العربية ومكة المكرمة بالذات بغارات القبائل ودوائر الانتقام والانتقام المضاد والثأر.

الشرق الأوسط الواسع، حيث تقع الجزيرة العربية، كان نفسه مقسما بين قوتين عظيمتين متحاربتين، هما الدولة البيزنطية (روما الشرقية) والامبراطورية الساسانية (بلاد فارس).

إلا أن الآيات القرآنية تؤكد كذلك أن السلام وليس العنف والحرب، هو القاعدة والنموذج. السماح بمحاربة الأعداء يوازيه تكليف قوي لصنع السلام: «وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ» (الأنفال:61) وكذلك «ولو شاء اللهُ لَسلَّطَهُم عليكم فَلَقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السَّلمَ فما جعل الله لكم عليهم سبيلا» (النساء:90). منذ أوائل مراحله، منع الإسلام قتل غير المحاربين وكذلك النساء والأطفال والرهبان والكهنة الذين أُعطوا وعد الحصانة إلا إذا شاركوا في القتال.

ولكن ماذا عن تلك السُّوَر التي يشار إليها أحيانا بسور «السيف»، التي تنادي بالقتل لغير المؤمنين مثل «فإذا انسلخ الأشهرُ الحُرُمُ فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كلَّ مرصدٍ فإن تابوا وأقاموا الصلاةَ وآتوا الزكاةَ فخلّوا سبيلهم إن اللهَ غفورٌ رحيمٌ» (التوبة:5)؟ هذه واحدة من عدد من الآيات القرآنية التي يستشهد بها المنتقدون لإثبات ما يسمى «الطبيعة العنفية المتأصلة في الإسلام وكتبه المقدسة».

تمتع الكثير من علماء الدين أثناء فترة التوسع والفتوحات برعايةٍ من قِبل الحكام وقدموا التبريرات للخلفاء للسعي وراء أحلامهم الكبرى وتوسيع رقعة حكم امبراطورياتهم. وقد قالوا إن «آيات السيف» أبطلت مفعول الآيات القرآنية الأولى التي حددت الجهاد الفعلي (مقارنة بالجهاد الروحي والأخلاقي) بالحرب الدفاعية. إلا أن الواقع هو أن ما قصدته الآية «فإذا انسلخ الأشهرُ الحُرُمُ فاقتلوا المشركين...» لم يُفهم جيدا أو جرى تشويهه عندما استُشهد به بمعزل، إذ يتبعه القول الكريم «فإن تابوا وأقاموا الصلاةَ وآتوا الزكاةَ فخلّوا سبيلهم إن اللهَ غفورٌ رحيمٌ». «وإن أحدٌ من المشركين استجارَك فأجِرْهُ حتى يسمع كلامَ اللهِ ثم أبلغه مأمَنَه ذلك بأنهم قومٌ لا يعلمون» (التوبة:6).

والأمر نفسه ينطبق على آية أخرى يكثر الاستشهاد بها: «قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يُحَرِّمُون ما حَرَّم اللهُ ورسولُه ولا يدينون دين الحق من الذين أُوتُوا الكتاب...» (التوبة:29) التي يُستشهد بها أحيانا دون بقيتها «حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغِرُون». (التوبة:29).

جرى عبر التاريخ استخدام الكتب السماوية اليهودية والمسيحية والمسلمة وأسيئ استخدامها، وجرى تفسيرها وسوء تفسيرها لتبرير النضال من أجل المقاومة والتحرير، والتطرف والإرهاب والحروب المقدسة وغير المقدسة. فالدين يوفر مصدرا قويا للسلطة والمعنى والشرعية. فالعنف والإرهاب اللذان يضفي عليهما الدين حافزا أو شرعية لهما بُعد إلهي أو سلطة مطلقة (ما يدعم سلطة قادة الإرهابيين) ورمزية دينية وتبرير أخلاقي وتحفيز والتزام ويقين وثقة ومكافأة سماوية تعزز إمكانات التجنيد والحشد والاستعداد للقتال والموت في سبيل النضال المقدس.

وبالأسلوب نفسه الذي يجب أن نميز فيه بين اليمين المسيحي المحارب (مقارنة بالتيار الرئيسي) الذي يدعو إليه أمثال بات روبرتسون أو جيري فالويل وأشكال اليمين المسيحي العنفي، كما علينا كذلك أن نميز بين الإسلام وأشكال أخرى من الإسلام المتطرف المفعم كذلك بعقيدة الحقد. فالنوع الأول يتبع عقائدَ منعيّة مقتصرة لا تعددية وتفسيراتٍ وتوجهاتٍ عقائدية بديلة ضمن تقاليده الدينية ولكنه لا ينادي بالعنف والإرهاب. إلا أن نظرتهم العقائدية إلى العالم يمكن تخصيصها أو فردها من قِبل العناصر المحاربة لتبرير عمليات تفجير عيادات الإجهاض أو المباني الحكومية أو برجي التجارة العالمية أو اغتيال «أعداء الله» والتطرف في فلسطين/ «إسرائيل» والعراق.

يشترك المسيحيون والمسلمون بمهمة مخاطبة العقائد المقصورة المنفجة اللا تعددية والضعيفة في مجال التسامح؛ لأنها تساهم في المعتقدات والتوجهات والقيم التي تغذي التطرف الديني والإرهاب.

*أستاذ جامعي والمدير المؤسس لمركز الأمير الوليد بن طلال للتفاهم المسلم المسيحي بجامعة جورجتاون، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 1717 - السبت 19 مايو 2007م الموافق 02 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً