لأننا لم نتعود على الديمقراطية «البرلمانية» في البحرين، ولأن التجربة حديثة جدا بالنسبة إلينا هنا، يصبح موضوع استجواب وزير أو التحقيق معه مثيرا للجدل وكبيرا جدا بشكل لا تستطيع حتى السلطة التشريعية أن تتحمل القيام به. بل انها تحاول «بنفسها» أن تعرقله وتوقفه بدعاوى كثيرة مجندة كل الآراء القانونية والدستورية لصالح ذلك، في الوقت الذي لا تفعل الشيء نفسه لقضايا أخرى ربما تكون لدى المواطن العادي أكثر أهمية.
في الكويت مثلا، التجربة الديمقراطية الأعرق في الخليج والتي تحاول البرلمانات الخليجية أن تتعلم منها، لا يأخذ موضوع استجواب وزير أو التحقيق معه كل هذا الحيز الكبير من الجدل، فقد فعلها أعضاء مجلس الأمة الكويتي مرات عدة، وسيفعلونها مرات أخرى. بل وصل مجلس الأمة الكويتي إلى طرح الثقة في الوزراء، وإسقاطهم، وقلب الوزارات أيضا. حتى بدأ بعض الوزراء الكويتيين «يتذمرون» من التهديد المباشر الذي يتلقونه من بعض النواب بأن يعدلوا أوضاع وزاراتهم ويستجيبوا لأسئلة النواب وإلا شنوا عليهم حملة شعواء لقلب الكراسي فوق رؤوسهم.
إلى هذا المستوى من «القوة» وصلت السلطة التشريعية في الكويت، والتي أصبحت لها اليد الطولى، بشكل أو بآخر، على السلطة التنفيذية، وأصبح مصطلح «النائب» مخيفا جدا ومرعبا للوزراء. أما في البحرين فلا يزال مصطلح «النائب» يراوح مكانه ولم يتقدم كثيرا رغم مرور سنوات على التجربة التي دخلتها أخيرا قوى «المعارضة». لايزال للوزير بوصفه ممثلا للسلطة التنفيذية هيبة ومكانة رفيعة، عندما يخاطبه النائب لا بد أن يواجهه بتلك المجاملات البروتوكولية المعتادة التي تحولت مع الوقت إلى أمر روتيني، لكنه يرسخ مكانة «الوزير» في الأذهان. بينما لايزال النائب، على رغم كونه ممثلا للسلطة التشريعية والذي اكتسب منصبه بقوة «الشعب» الذي يفترض أن يكون صاحب السلطة الأعلى، لايزال هذا النائب مأمون الجانب لا يتوقع منه المشاكسة كثيرا مادامت كل الخيوط تربطه بإحكام شديد فيما لو حاول «أن يلعب بذيله». هذه الفكرة عن النائب «المكمم المربوط بإحكام» تعززت بقوة بعد سقوط مقترح استجواب وزير الدولة لشئون مجلس الوزراء الشيخ أحمد بن عطية الله أخيرا. إذ كانت تلك التجربة التي وأدت بأيدي النواب أنفسهم بوصفهم ممثلين عن السلطة التشريعية، دليلا واضحا على اصطفاف النواب لصالح الوزير «ممثل السلطة التنفيذية» مهما كان تفسيرهم لهذا الموقف. إذ كان يتوقع من النواب أن يقفوا مع طرح «أي كتلة» برلمانية في استجواب» «أي وزير»، ليس لأنهم يؤيدون هذه الكتلة ويعارضون ذلك الوزير، ولكن لأن هذا هو جزء من عملهم داخل البرلمان، أن يستجوبوا ويحققوا ويدققوا، لا أن يكتفوا بالصراخ في جلستهم الأسبوعية، ثم إعادة شحن البطارية للصراخ مرة أخرى في الجلسة المقبلة. الاستجواب جزء من عمل النواب الذي يبدو أنهم لم يصلوا إلى مستوى يمكنهم أن يتحملوا فيه مسئوليته بعد، لأنه ببساطة أداة برلمانية «توجع الرأس» وتسبب المشكلات، لا تقارن بأي حال بالأسئلة والاقتراحات التي يقدمونها بهدوء وروية، ويتلقون عليها الشكر والتقدير من الجميع لأنهم قاموا بالعمل، أي عمل، فالتقييم لم يكن أبدا بالنوعية، فما يرضي الجماهير هو الكمية دائما. ما حصل في سقوط الاستجواب الأخير، بغض النظر عن موقفنا من الوزير المستجوب أو الكتلة التي رفعت طلب الاستجواب، يشي بما يمكن أن يحصل لكل استجواب لأي وزير آخر في أي موضوع، وربما كان وأد استجواب الوزير عطية الله بأصوات النواب باكورة لتكريس عرف برلماني جديد في وأد أي استجواب آخر للسلطة التنفيذية. فواجب النواب أن يسألوا، وواجب الوزراء أن يجيبوا، وحتى لو لم تعجبهم الإجابة أو لم يرضوا بها، فلا يحق لهم «التذمر» لأنهم ليسوا الأقوى في هذه «اللعبة» التي صممت قوانينها لتجعلهم دائما «الحلقة الأضعف».
إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"العدد 1716 - الجمعة 18 مايو 2007م الموافق 01 جمادى الأولى 1428هـ