الحديث عن برامج ومبادرات وخطوات لتحقيق التنمية السياسية، وعن خطط واستراتيجيات قد وضعت للإيفاء بمختلف أوجه وأفرع التنمية البشرية تستهدف تحسين الوضع المعيشي للمواطنين البحرينيين يظل مدادا مدرارا على ورق، ومداراة ومداورة فارغة مع وجود «لوثة التجنيس»، والتي تكاد أن تكون أشبه بالفجوة السوداء الفلكية الهائلة المتجهة صوب جزيرة البحرين الصغيرة كلما تقترب منا تزداد اتساعا وغماما، اذ لا يعرف ما هو المصير الذي ينتظر هذا الداخل الصغير، وما بداخله من شعب أو بقايا شعب متحضر اختفت واختلفت علائم هوياته الثقافية الفارقة، وتلوثت قيم وأعرافه الاجتماعية التضامنية المميزة!
فعلام إذا يتم تبذير المداد والأوراق، وقبله إسراف فاضح على المال العام/ الخاص في الكشف والإعلان عن خطوات وتوجهات تنموية برية تستهدف ترقية المواطن البحريني معيشيا ومنحه أبسط حقوقه، طالما أن هذه الأوراق والحبر السائل ومعه ركام المال العام/ الخاص المقتص من الخزينة العامة سيجرف بسيول «لوثة التجنيس» إلى أقرب بحر ممكن؟!
هل يتم هذا مثلا بداعي المجاملة الرسمية والتعاطف السطحي المسرحي مع المواطن البحريني المسكين، أم هي حملات علاقات عامة معهودة ومتعارف عليها شعبيا تأتي بدافع تجبير الخواطر المكسورة، وصيانة سقف المطالبات الشعبية ذاتها التي لم تتوقف منذ أكثر من نصف قرن؟!
أن يتم عقد العزم على النهوض بالمواطن البحريني معيشيا والانتقال به من مرحلة نوعية إلى أخرى كما هو مأمول لهو أمر جد حسن، ولكن حكم العقل والمنطق يقضي بضرورة وجود حسابات واحتياطات أخرى قد تدفع الدولة إلى محاولة التوفيق بين ما يتوفر لها من قدرات وإمكانات تضعها للمواطنين إلى جانب خططها التنموية والاستثمارية من جهة، وبين ما تفرط فيه وتهدره وتغمره من الإمكانات والقدرات ذاتها بسيول «لوثة التجنيس» الحاضرة والقادمة لتغمر الجميع من جهة أخرى، فهل أخذت الدولة احتياطها الوقائي وحسابها المحتوم لمثل ذلك الحال؟!
أم أن لديها حلا بارعا يحول دون تسرب الماء الصافي على رغم كون الكأس مثقوبا من الأسفل؟!
هل بمقدور الدولة أن تلبي بخدماتها الحيوية وخططها التنموية البشرية المستقبلية جميع أو حتى معظم مقادير الطلبات والاحتياجات الشعبية المتزايدة تمهيدا للانتقال النوعي من مرحلة إلى أخرى، وأن تعمل على تجسير الهوة والفجوة السحيقة بين أغلبية معدمة ممتدة وأقلية فاحشة الثراء منكمشة دون أن تغلق حنفية «لوثة التجنيس» ولو مؤقتا ودون إحكام؟!
إن كانت هنالك حلول وحسابات واحتياطات مرصودة فنحن إذا نظل أمام مشكلة أو قل أزمة شفافية ومصارحة وطنية وتدفق للمعلومات؟!
المواطن البحريني المسكين مثلما هو موعود في الصولات والجولات الفاخرة بخطط تنمية وإصلاح ستعمل على تحسين الحال وتحقيق المحال، هو موعود أيضا بجموع تأتيه على رأسه وكواهله، تحملها موجات سيول «لوثة التجنيس»، لتقاسمه حقوقه وتشاركه في موارده وفرصه المعيشية المتاحة، وتعوق وتعطل تنميته سياسيا واجتماعيا لكونها أتت وحلت من بيئة سياسية مقصومة فقريا ومعطلة، ومن مجتمعات رعوية أقل تحضرا مدينيا بكثير!
أمام تلك الازدواجية الشاذة، وحال المواطن البائسة المترنحة بين رؤية تتجه صوب إصلاح تنموي بفعل فاعل، وأخرى نحو إهلاك تجنيسي بفعل فاعل أيضا، فإن ما هو مطلوب ومناط من الدولة أن تحسم وضعها أكثر من أي وقت مضى، فإما هي تنهض بواجباتها في تهيئة الأرضية الفكرية والميدانية وتأهيلها لبرامج الإصلاح ومشروعات خطط التنمية التي لن تنجح طالما لم تنعكس إيجابيا على أحوال المواطنين وترتقي بهم، كما هي في الأساس لن تنتقل الدولة من مرحلة نوعية إلى أخرى طالما لم يبدأ هذا الانتقال النوعي الفارق من قاعدة الشعب والمواطنين ، وهي أغلى ثروة ومورد ووقود قومي يمتلكه الوطن وتسأل عنه الدولة.
وإلى جانب خيار الإصلاح والتنمية والالتفات إلى أوضاع الشعب والمواطنين بمطالبهم الأولية لتحقيقها، هناك خيار مواصلة فتح السدود والأبواب والنوافذ أمام سيول أخرى من «لوثات التجنيس»، واستيراد بعض الجهل من مجاهله، والإصرار على قيادة السيارة الوطنية في اتجاهين منفصلين بحدية في ساعة واحدة على اعتبار أن كليهما يؤديان إلى النجاة، أكانت نجاة ورفاهية وطنية، أم نجاة ورفاهية متخيلة سلطويا.
وإذا ما أريد الانزواء نحو خيار آخر «وسطي» و»سليم» بين «التطرف التنموي» و»التطرف الإهلاكي» يمكن للدولة حينها أن تثبت لنا كيف أن خطط التنمية ومشروعات الإصلاح ستظل سليمة ومعافية من البلل، أو أنها، أو أننا لن نغرق جميعا إذا ما استمرت واستمريء أن تظل حنفيات التجنيس هادرة ومهدورة في غرفتنا الوطنية دون ترشيد وتعقيل أو حتى تصريف منطقي من الدولة!
إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"العدد 1716 - الجمعة 18 مايو 2007م الموافق 01 جمادى الأولى 1428هـ