العدد 1715 - الخميس 17 مايو 2007م الموافق 29 ربيع الثاني 1428هـ

عودة «الجمبازية» الثلاثة!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في فترة الشباب، كانت مجموعة من الأصدقاء تتنافس على قراءة أكبر عدد من الكتب والروايات. أحيانا نتفق على تقييم كاتب وأحيانا نختلف على استحسان كتاب. إحدى الروايات التي أثارت الكثير من الجدل هي قصة «الفرسان الثلاثة»، للكاتب الفرنسي الكسندر ديماس. بعض الأصدقاء اعتبرها تحفة نادرة، لما فيها من صراعات ومغامرات، بينما رآها الآخرون قمة في الإسفاف والهراء والشطحات، باعتبارها رواية كارتونية وضعت للكبار قبل قرنين، كما توضع الرسوم المتحركة للصغار!

«الفرسان الثلاثة» رواية تتحدث عن ملكة أنجبت توأمين، لكن يتم الإعلان عن ولادة طفل واحد كوريث للعرش، بينما يسجن التوأم الآخر في الباستيل. وعندما يتولى التوأم الأول الحكم ظلم الناس، فيجتمع «الفرسان الثلاثة» لإخراج التوأم من السجن ويوصلوه إلى العرش، في سلسلة طويلة من الحوادث المفبركة والمغامرات المفتعلة على طريقة الأفلام الهندية!

مثل هذه الأعمال الرديئة لها عشاقها ولها معارضوها في كل عصرٍ ومِصر. وفي الحياة تمر عليك قصصٌ كثيرةٌ وحركات صبيانية ومغامرات، وكل ما على الجمهور فعله أن يجلس في المنصة و(يوسّع صدره) ويتفرّج... فما أحلى الطماشة على «الجمبازية»! وللدقة التاريخية، فإن أصل كلمة «جمبازي» هو «جان باز»، وتعني بالأوردية والفارسيةالمضحّي بروحه، أما نحن العرب فقلبناها إلى من يضحك على الناس، ويضحك عليه الناس بالمقابل ويعتبرونه مثل «السبال»!

بطل القصة الأولى بدأت حياته بسرقة سندويشات السمبوسة من مقصف المدرسة، وانتهى بسرقة الدجاج من المطابخ، حتى تم تعيينه في منصب مدافعٍ عن مكتسبات الوطن! فلما استوى على ساقه أخذ يهدّد بالعودة إلى زمن البطولات في المقصف! وآخر مشروعاته الثورية تكوين لجنة أهلية تحمل اسم «لنا المطبخ»!

بطل القصة الثانية بدأ صبّاغا، وانتهى ناشطا حقوقيا رفيع المستوى، متعدد الهوايات والاهتمامات، ولذلك يدس ذيله فيما يعنيه وما لا يعنيه! قبل عامٍ تقريبا اجتمعت وزيرة التنمية الاجتماعية مع مندوبي الصناديق الخيرية، ولما دخل صاح أحد الزملاء بصوتٍ مسموع: «أعوذ بالله، ويش جايبنه هالدغس»؟ ولم أفهم قصده إلاّ بعد نشر بعض التقارير المثيرة للجدل! فـ «الناشط الحقوقي» يحارب على كل الجبهات، من ملاحقة أعضاء الجمعيات الحقوقية المستقلة في الخارج وانتهت مغامرته إلى طرده، إلى ملاحقة مندوبي الصناديق الخيرية، فمهمته «مجابهة كل الأعمال الخارجة على القانون»، ليضمن عملها ضمن المؤسسات الشرعية التي كفلها القانون! علما بأن جمعيته الجديدة «العودة إلى الجمبزة» ليست مسجلة ضمن القانون! فالجمبازية يتحايلون على القانون بتشكيل «لجان أهلية» لتمارس أنشطتها وندواتها «الصبيانية»، بعيدا عن سلطة الدستور والقانون!

أما الجمبازي الثالث، فقد بدأ سمكريا ينظّف الأبواب، وانتهى ناشطا سياسيا (قد الدنيا)! فهو اليوم معروفٌ على مستوى العالم بمواقفه الوطنية ودفاعه عن حقوق الشعب الفلسطيني، والدليل على أن شهرته طبّقت الآفاق، أنك ترى صورته وتصريحاته أحيانا في صفحات المحليات، وأحيانا في بريد القراء!

ولأنه ناشط سياسي كبير، شارك بمداخلةٍ في ندوة عن العدالة الانتقالية قبل عام، استعرض فيها نضالاته الوطنية، وانه طُرد من العمل بسبب نشاطاته السياسية المعارضة للحكومة وبقي عاطلا عن العمل سبع سنوات يعاني من الجوع والعطش! وعندما نقلت عنه الصحافة ذلك، اتصل بعض جيرانه وهم يقهقهون... وقال أحدهم: «كيف انطلت هذه السالفة عليكم، ألا تعرفون انه جمبازي درجة أولى. املوّص عليه شيكات ومحاكم ويقول آنه مناضل»!

اليوم... اجتمع الثلاثة لإعلان تشكيل «حزب الجمبازية» ليحارب كل من يعمل خارج المؤسسات الدستورية، تحت شعار «إن عدتم إلى السياسة... عدنا إلى الجمبزة»... بينما أخذت الجماهير تردد: و«نعم نعم للمطبخ»، «نعم نعم للمقصف»!

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1715 - الخميس 17 مايو 2007م الموافق 29 ربيع الثاني 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً