ستشهد البحرين خلال شهر مايو/ أيار حدثين سيعيدان قضية التغير المناخي إلى أذهان الكثير من الناس. ففي الفترة من 8 مايو الى 5 يونيو/ حزيران سيقام معرض في بيت القرآن يشارك في تنظيمه كل من بيت القرآن والمجلس الثقافي البريطاني تحت عنوان الشمال، الجنوب، الشرق، الغرب. أما في 16 مايو فسترعى جمعية رجال الأعمال البحرينية بالمشاركة مع شركة محطة كهرباء الحد والكهرباء الدولية منتدى عن اقتصاديات التغير المناخي الذي يهم مجتمع الأعمال في المقام الأول وسيتحدث فيه مختصون من لندن من خلال دائرة فيديو.
التغير المناخي موضوع حرج، موجود ومهم بالنسبة إلينا جميعا. ففي الخليج حيث نعيش والذي يعتبر أحد أكثر المناطق عرضة للتفجر السياسي على الأرض إذ يسود التوتر بين دول المنطقة، العنف والنزاعات الطائفية في العراق وفي المناطق المحتلة وفي لبنان والتي تؤثر بشكل كبير في حياتنا وإمكان عدم استقرار المنطقة بصورة أوسع. إننا نأمل ومع مرور الأيام في أن نجد الحل لمشكلاتنا وإن الشعوب التي تعاني حاليا وبشكل كبير ستجد السلام المعهود، الازدهار والاستقرار. ولكن حتى لو بلغنا البلد السعيد فإن أكبر مخاطر المنطقة والعالم ستبقى محلقة فوق رؤوسنا: التغير المناخي. إذا لم تتم مجابهته، فإن حياتنا وسبل معيشتنا، إن كنا في الشرق الأوسط، أوروبا أو في أي مكان في العالم، فستتغير إلى الأسوأ، وللكثير من الناس فإن التغير المناخي يمكن أن يكلفهم أرواحهم.
إن الصور التي ستعرض في معرض الشمال، الجنوب، الشرق، الغرب تعتبر قوية وإنا على يقين بأنها ستعطي انطباعين قويين: اليأس، عند رؤيتك للمدى الذي تراجعت إليه الأنهار الجليدية لغرينلاند أو الأراضي التي تحيط بجبل كليمنجارو، جفاف بعض من أغنى محميات الحياة الفطرية في العالم. الأمل: عندما ترى بعضا من وسائل علاج التغير المناخي التي قدمتها إلينا السياسات التكنولوجية والخيالية.
هذه هي الرسالة المهمة التي يجب أن نخرج بها من هذا المعرض: نظرا إلى كون التغير المناخي قد يحدث دمارا مؤثرا في الأرض فإنه في استطاعتنا أن نصد أسوأ التأثيرات من دون دفع كلفة باهظة وذلك من خلال تغييرات نسبية للطرق التي نعيش ونعمل بها إذ إن هناك ميلا لمناقشة تغيير المناخ كما لو أنّ لدينا خيارين: مواصلة العيش كما هو الحال الآن، المضي في النمو الاقتصادي ومواجهة الكارثة في غضون العقود القليلة المقبلة، أو إبطاء نمونا الاقتصادي والتنمية بشكل مفاجئ وتحمّل الألم القصير الأمد الذي ينتج عن ذلك. لذلك فإن أيا من هذين الخيارين يعتبر عمليا.
السياسة العملية تعني أنّ الفصل الأخير ليس ذا نفع. فهل يعقل أن يقبل رجل عاطل وصاحب عائلة كبيرة التهديد لعائلته وعلى سبيل المثال من خلال ارتفاع مستويات البحر خلال السنوات العشر أو العشرين أنها أكثر أهمية من توفير المأكل والمسكن لهم اليوم؟ وهل سيصوت لمن يقوم بالترويج لهذه السياسة؟
يواجه البديل تحدي تغيير المناخ بالكامل مع السماح للنمو الاقتصادي. اختلافات صغيرة في أساليب حياتنا مثل عدم ترك الأجهزة الإلكترونية في حال الانتظار، إعادة تدوير المخلفات واستبدال مصابيح الضوء العادية بمصابيح فلورسنت مدمجة يمكن أن تخفّض وبشكل ملحوظ استهلاك الطاقة للمجتمع.
تجد الكثير من الشركات الآن أن قيم البيئة الصديقة يمكن في الحقيقة أن تساعدهم في النمو. ويوجد هنا مثال ممتاز في البحرين، فشركة محطة كهرباء الحد، إحدى الشركات الراعية لحدث جمعية رجال الأعمال البحرينية، تشغّل وحدة تربينية بالغاز تتلاءم مع المعايير البيئية الدولية للإشعاعات، وربما بدرجة أكبر تعمل على الاستغلال الأمثل للغاز الذي تعمل عليه. هذا يعني أن ثاني أكسيد الكربون الناتج قد خفض إلى كمية الكهرباء والماء المنتجة. في الحقيقة إن كفاءة طاقة المصنع تتجاوز 50 في المئة إذا ما قورنت بالمصانع التي تدار بالنفط التقليدي أو الفحم والتي تقل عن 40 في المئة. وهذا يمكّن شركة الحد للكهرباء ومصانع جديدة أخرى من المساهمة في النمو الاقتصادي للبحرين بينما يقلّل من تأثيراتها البيئية وخصوصا الآثار الكربونية.
إن الأعمال البيئية نفسها ضخمة الآن إذ إنّ السوق العالمية تساوي الآن 15 مليار دولار أميركي ومتوقّع لها أن تبلغ 688 مليار دولار في العام 2010، وهذا ما سيضعها في المنزلة نفسها مع صناعات الصيدلة والفضاء. في المملكة المتحدة، توافر الصناعة البيئية 170,000 وظيفة بينما توافر هذه الصناعة في أوروبا الغربية واليابان وأميركا الشمالية حاليا 85 في المئة من السوق البيئية العالمية ولكن في معرض بيت القرآن سترى أمثلة من التقنيات الجديدة في العالم النامي. بينما هذه المشروعات وبشكل رئيسي على نطاق مصغر حاليا، إلا أن نصيب السوق العالمية للمناطق الأخرى والدول النامية يتوقّع له الارتفاع.
على المستوى الوطني، فإن بعضا من أكثر اقتصاديات العالم الناجحة وعلى سبيل المثال السويد، فنلندا، جمهورية التّشيك والمملكة المتحدة قد بنيت على السياسات البيئية المدعومة.
كلّ هذه القضايا سيتم طرحها خلال المنتدى الذي ترعاه جمعية رجال الأعمال البحرينية.
في التقرير الذي قدمه السّير نيقولاس ستيرن، الاقتصادي الأول سابقا بالبنك الدولي، في وقت مبكر من هذا العام، صرّح بأن كلفة أخذ الخطوات الضرورية لتأجيل أسوأ تأثيرات التغير المناخي يحتاج إلى كلّفة تقدر بنحو 1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. طبعا فإن هذا المبلغ يعتبر كبيرا في التعبير الحقيقي ولكنّه ليس بالكثير عند توقف نمو الاقتصاد العالمي.
وهو أقل بكثير من معدل الانخفاض المقدر 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الذي يمكن أن يحدث على مدى العقود القليلة المقبلة إذا نحن لم نقم نعمل أي شيء.
إن معالجة التغير المناخي ممكنة، ويمكن حماية البيئة، مع استمرار النمو الاقتصادي. هذه الأمور يمكن أن تنجز كلّها وفي الوقت نفسه.
إقرأ أيضا لـ "جيمي بوديب"العدد 1714 - الأربعاء 16 مايو 2007م الموافق 28 ربيع الثاني 1428هـ