العدد 1714 - الأربعاء 16 مايو 2007م الموافق 28 ربيع الثاني 1428هـ

شاعر عرف الصوفية في شوارع مدريد

«الوسط» تحاور الشاعر الإسباني لويس لونا

التقيته في مهرجان الرقة. قال وهو يحادثني: هل تجيد الإنجليزية؟ فقلت: نوعا ما، فرد بسرعة كأنه لقي مأمنه «جيد»، ودار حوار بيني وبينه عن سورية والمهرجان. شاعر لا يغفل أهميته حين يقدم نفسه على أنه صوت إسباني متميز، مستندا إلى آراء الشعراء في بلده. يلقي بهمس جميل، ويلتفت بين الحين والآخر كأنه يتأكد من الحضور.

ولد هذا الشاعر في مدينة مدريد الإسبانية العام 1975، مجاز في فقه اللغة الإسبانية. يُحَضِّر في الوقت الحاضر الدكتوراه في هذا الاختصاص. حاصل على الدبلوم في الدراسات المتقدّمة. حصل على بعض الجوائز الأدبية، كما يساهم في عدد من الدوريات الوطنية والعالمية. عضو في شبكة الفنانين الشباب في مقاطعة مدريد. مندوب جمعية الكتاب الشباب في مدريد. عمل لصالح جامعة مدريد المركزية ومؤسسات ثقافية أخرى. منتسب إلى لجنة التحرير في مجلة «الفكر والإبداع».

يكتب بالجليقية كما بالقشتالية، وقد تُرجِمت بعضُ أعماله إلى اللغة العربية والألمانية والإنجليزية. وقد صدر له مع أوسكار كورّييسِسْ ديوان «هيدرويما» في العام 2000 و «إغنيثيونز» في العام 2002. وظهرت أعماله في الكتاب الجماعي مولِر دوث سال وفي مختارات لِبدوس. ومختارات الشعر الجليقي في مدريد؛ مخرج الطوارئ وكلّ شيء شعر ما عدا الشعر. يُحضّر الآن ديوانه «دفتر حارس الغابة» لدار أمارغورد.

قدّم أعماله كفنان بصري في أماكن عدة، مثل البينالي الألو للفن المعاصر. في كابو دي غاتا. ونيخار (ألمريّة) وفي المهرجان الثاني لفن الفيدو في الأندلس، رواق ترافيك دي أرتي أو رواق كاتارسيس. نظّم أكثر من خمسين عرضا مسرحيا وشارك في مثلها (إلى جانب كونتشا خِرِث وغوادالوبِّ لوثِنيو، ألِكساندرا مير، وكارلوس دي غرِدوس...).

قدم خلال مشاركته في المهرجان الثالث للشعر، بمدينة الرقة السورية، ورقة نقدية عن الشعر، عنونها بـ «الصمت وفجواته» وهي من ترجمة الكاتب رفعة عطفة:

الصمتُ وفجواته

القصيدةُ إذا فجوةٌ في الصمت، عشُّ لغة. اللغة مادَّة نعمل بها، تُبنى في الضياع، في عدم تعيين الشيء وهي بالتالي عشّ غير آمنٍ، مؤقَّت، في تبدُّلٍ دائم. قائمة على اصطلاحية المتكلِّمين وقد مرَّت بمراحل تدهورٍ، فساد إن شئنا، انتهى بتنحيتها وتحويلها إلى أنقاض، ففقدت في هذه المسيرة القرب، والرابطة الجوّانية التي كانت تربطها بالمُحدَّد في حال مثالية وغامضة. إنّ عمل الشاعر إنّما يتركَّزُ على إعادة بناء هذا الضياع، وإعادة تفسير المصطلحات حتى يُعاد إلى اللغة بهاؤها وتعبيريّتها الأولى. في هذه المُحاولة يدخل الشعراءُ في غابة، وكما قال فاليري فأصاب تماما، لا يخافون المراوَغةَ ولا المفاجأة ولا الظلمات. الحال الشعرية من وجهة النظر هذه - الحال الفنّية - يمكن تشبيهها بحبل السرّة الذي يربط بين العين والنظر، المُبدع بإبداعه، الموجود بما لم يتبدَّ بعد.

المكان الذي يشغله القارئ في هذه الازدواجيّة حدّ مهمٌّ أيضا، فهو الطرف الثالث. هذا الآخر الأساسي لإعادة بناء القصيدة. فالقارئ ليس مُجرَّد مستمع سلبيّ - وأتكلَّم عن المستمع؛ لأنّ من يقرأ الشعر يقوم دائما بقراءة داخليّة للنصوص - بل مجرد مستمعٍ يُعيد بناء القصيدة انطلاقا من وجوده نفسه، من قلقه ومن تخيّله. وقد حدّدَ تدودروف وودوكروت تعريفا كنائيّا يمكن أن يُساعِدنا على فهم هذه السيرورة. كانا يتكلّمان عن الكناية من حيث إنّ الجزء يمكن أن يدخل في علاقة مع الكلّ عبر علاقات وجودية، موجودة في المُبدِع، الذي يستعملُها في بناء النصوص، كما في القارئ الذي يستخدمها من أجل تمثّل كمال القصيدة مع معايشاته الخاصّة. وإذا ما تمَّ فكُّ هذا الترميز بدرجة مثلى نكون قد انتقلنا من الثنائية إلى الثلاثية، هذه الثلاثية التي ترمز إلى تمام القصيدة المُحقّقة. ليس عبثا أنّه تمّ التعرّف إلى اللغة القدسية في الشعر، الحدّ الأقصى الذي تلتقي عليه مختلف الديانات وغالبية الصوفيين.

إنّ كيفيّة الفجوة - اليوم بالذات - جوهريّة. ليست المسألة في تسجيل استباقية تعمل مثل نير، بل في إقامة حوار دائم مع مخاوفنا ومع ميولنا، مع التجديد الأبديّ لهذه المخاوف وهذه الميول. بهذا المعنى على كلّ باحِث أن يتوغّل في الغابة بحسب قرائنه ومرجعياته ومفاتيحه الخاصّة. إنّ الجماليةَ الجوهريةَ النزعة تميل إلى تضخيم الأدنى، واجدة في الإيحاء، في الخاصّ، في التفصيل، المفصلة الضروريّة لإظهار التسامي. أن يكون الأقلُّ أكثرَ يبدو واضحا ومع ذلك يجب التذكير به في أزمنة، هي إضافة إلى ذلك وبيلة على الشعريِّ، في مجتمع نُزعت عنه القدسيةُ ويَنْزَعُ إلى استنساخ نماذج الوجود. يُعاني الشعريُّ في هذا المجال من الاختفاء ويبني في غالبية الخالات ظاهرة مُزعِجة للتبسيط، للنزعة النسبية والابتذالية التي تؤثر علينا.

يبدو أنّه لا غنى عن الطرفةِ، والسرديِّ في هذه الأزمنة، فهو لا ينفصل عن الكتابة الشعرية. ولكن الصحيح أيضا أنّه ليس كلّ ما يمكن أن يُقال في الأجناس الأخرى شعريَا في جوهره. وهكذا من المشروع أيضا تنحية الأنا كمنهجٍ لتجريد الجوهر والبحث عنه. نعم ولكن من دون أن نُنكر في أيّة لحظةٍ أنّ الشعر يكون أكثر حياة كلّما اقترب أكثر من الجنس الهجين، الحدودي الذي يحمل كلّ تلك المواد التي يعتبرها ضروريّة وأن اللا انضباط أساسي في إثرائه.

وهنا يبدو ضروريا أن نلفت الانتباهَ إلى مختلف الموضوعات التي تهمّ الشعرَ الذي يُراد له أن يكون جوهريّا. إنَّ التجريد، الهندسة كتعبير عن علاقاتٍ إشكاليّة بين الأنا - الجزيرةِ والآخر، التطلع إلى العثور على المعنى الأقصى الممكن في الاختزال الأقصى، والنيّة باستبطان «واقع» يُخرّب الدنيويّ ويبتعد عن منابعه كي يسقط في جرح وحشته هي جوانب مركزية لفهمه. إنّ موضوع الجرح، والألم الوجودي يُكمل هذه الحصارات.

بهذا المعنى قدَّم الشاعر السوريّ العظيم أدونيس درسا رائعا حين قال: «إنّ الكوميدية - وليس الفكاهة - الظاهرة الأكثر غنى وتعدّدا للأشكال. إن المُبتذل، ما لا يقول شيئا، هي جوانب غريبة على الشعر، وليس لها علاقة به». أدونيس في زيارته الأخيرة لإسبانيا خطَّ بحضورِ شعراء آخرين نظريّة «الشعر جوهريّ تراجيديّ» وبالتالي فالطيش والسطحيّة هي الانبهارات السطحية، الخاصّة بالاستعراضية، الشو بيزنِس التي صارَ المجتمع إليها. كما لفت أدونيس الانتباه إلى الالتزام الزائف الذي يرفع من شأن بعض المُبدعين، الذين لا يشعرون في الحقيقة بما يقولون. مقابل ذلك اقترح نموذجا يصل فيه المبدع الملتزم تماما بعمله إلى الالتزام بالحوادث التاريخية من دون أن يتخذها ذريعة لعمله، أي الوصول من العمل إلى التاريخ وليس العكس. ولإكمال هذا الموقف يتكلّم جابِس أيضا عن الصمت، الصمت العميق الذي ينفتح على الشعر حين تُغرقه بعض الحوادث التاريخية في جدليّة المعتدي والمُعتدى عليه.

من هذه الحافّة، وهذا الجرف الذي يفترضه السكوتُ، الصمتُ واللغةُ وجهان لا يمكن فصلهما عما هو شعريّ. هنا، في هذه الهندسة السمفونية، الشعر كعشّ، كفجوة يُعاد فيها بناء الواقع عبر القصيدة، التي يقوم ضيقها على الحدس بأنّنا يمكن أن نكون دائما أمامَ آخر إبداع، وأمام الصمت العقيم.

دراويش

«من يعرف قوَّةَ الدائرة لا يخافُ الموتَ»

هوفمانستال

لويس لونا ترجمة رفعت عطفة

1

دعِ الكلمةَ تبحثُ عنهم،

تلجهم

ولتكن هي من يبدأ الدوران.

2

كالعصافيرِ

يجوبون

صراطا مرسوما.

يسكنونَ العبور.

يخرقون الأفقيّةَ.

من مركز السكون

الغامِض

تكبرُ الدوائرُ.

4

يبقون مُغمضي العيون

يُوائمهم هذا العماءُ.

وحده اللمسُ يقودُ في الظلمة

يسمح بعبور المتاهة

التي تنهضُ بالذاكرة،

بإدراك المرآة التي تعرفُ الأسماء.

5

يرسمون صورا

للمعرفة.

يستسلمون لإله البراءةِ.

6

يلتهمون في الرقص

هويَّتهم،

يلاحقون ذهب الغياب.

7

يرقصون كالحجارة البيضاء

المرميّة

في الماء الصافي

بحثا عن مركزٍ آخرَ.

8

يُدركونَ

كم هو هشّ

الفَلَك.

الرعشة التي يُطلقها ما إن يكتملَ.

طريقته بالتأبّد في الصمتِ.

9

الفلك الأبيضُ

الذي يقطنونه

يُشبه الفراغَ.

الفراغ الضروريّ

لبناء مسكنهم.

10

يدورون حول الصوتِ

يمارسون لغة الفلك

(من الرحلة، «دفتر السفر»).

العدد 1714 - الأربعاء 16 مايو 2007م الموافق 28 ربيع الثاني 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً