العدد 1714 - الأربعاء 16 مايو 2007م الموافق 28 ربيع الثاني 1428هـ

كوميديا سوداء من واقع المجتمع في مهرجان الريف المسرحي

يبدو أن ظروف الحياة التي تتلاطم بشعب البحرين وأبناء المناطق البسيطة كانت الذراع الأساسية المحركة في إبداع ما قامت الفرق المسرحية لأندية ومراكز مجموعة من القرى بتقديمه خلال عروضها المسرحية، التي قدمت خلال مهرجان الريف المسرحي الرابع، بمشاركة 6 فرق بستة مسرحيات متنوعة، تم استضافتها برعاية وزارة الإعلام في الصالة الثقافية خلال الأسبوع الماضي.

العروض أبرزت المواهب الشابة في أندية ومراكز القرى، إذ قدموا الكثير مما لديهم في جميع الجوانب المسرحية، شملت الإضاءة والسينوغرافيا والمؤثرات الصوتية، على رغم بساطة الأساليب وعدم دقة غالبيتها، فإن المحاولات المتفاوتة في مستوياتها كشفت عن بوادر لكوادر مسرحية متميزة.

اللهجة البحرينية الشعبية اضفت نكهة خاصة على مجموعة الأعمال المقدمة، التي كانت في معظمها تصويرا لمواقف وحوادث مرتبطة بالحياة اليومية لسكان قرى ومناطق البحرين، تعدتها لتصل إلى طرح الكثير من القضايا الوطنية في قوالب شعبية بسيطة تحوي اسقاطات في قضايا البحرين المهمة والحساسة بشكل جريء.

كانت افتتاحية المهرجان مساء الخميس 10 مارس/ آذار بمسرحية «المختار»، التي قدمها نادي اتحاد الريف الثقافي والرياضي، بإخراج المخرج عبدالحسين مرهون ونص المؤلفين علي يحيى ومحمد الشهابي، تضمنت عملا يحمل الأسلوب الواقعي والشعبي، تتلخص فكرته في صراع الزعامة والسيطرة على منصب المختار، الذي يمثل رأس المنطقة التي يسكنها، وكيفية تطور اطماع شخص في السلطة لقتل أخيه، لتدور الحوادث ويعاود هذا الشخص قتل ابن أخيه عن طريق الخطأ بسبب استمرار الأطماع والرغبة في الإستئثار بمنصب المختار.

الليلة الثانية تم خلالها استضافة مسرحية «المجهول» لنادي توبلي الثقافي والرياضي، قدمها المخرج حسين العصفور وقام بإعدادها بالتعاون مع أحمد عيسى اقتباسا عن مسرحية الحصار للكاتب محمد علي الخطيب.

العمل أتى بأسلوب يدمج الفنتازيا بالتجريب، وتفرد باستخدام اللغة العربية في الحوار من بين باقي الأعمال، وكان يصور مجموعة من الأشخاص يتفاجأون بكونهم محبوسين داخل مكان ما من دون علمهم، ولا علاقة لهم بالعالم الخارجي سوى حارس هذا المكان الذي هم فيه، الذي يعدهم بحضور شخصية عظيمة تقوم بتخليصهم مما هم فيه.

تطور الحوادث يأتي في سعي المجموعة المحبوسة التي تختلف مستوياتها العلمية والاجتماعية للخروج من هذا المكان، حتى يصلوا لمرحلة اليأس من الخروج. الرسالة المقدمة من خلال المسرحية تاتي لتأكيد وجود حاجز في داخل نفس كل شخص، يحول دون سعيه لنيل الحرية لنفسه مهما كانت الطبقة التي ينتمي إليها، كان ذلك عبر الشخصيات التي تواجه حواجز داخلية وينتظرون الخلاص المريح منها من دون جدوى.

وكانت «الجموح» هي المسرحية التي تلت «المجهول» والتي قدمها مركز بوري الثقافي والرياضي، وهي من تأليف وإخراج علي سلمان، إذ صورت المسرحية صراع انسان بسيط مع مخاوفه وحال الرعب التي تسيطر عليه باستمرار كنتيجة للضغوط النفسية التي واجهته بعد حبسه لفترة طويلة، الأمر الذي خلق له ما يشبه العقدة التي تسبب له الرعب من كل شيء، وتنقل الرعب معه إلى أحلامه، وتحيلها إلى كوابيس.

بطل المسرحية الذي يواجه الخوف في كل لحظة، يحاول التغلب على ذلك، إلا أنه يفشل باستمرار، على رغم تمكنه من اقناع نفسه في الكثير من المواقف بعدم حقيقتها كأمور مخيفة، ليصل إلى مرحلة من الفزع يهلك بعدها.

أما رابع مسرحيات المهرجان فقد كانت لمركز السنابس الثقافي، والتي حملت اسم «بس قابلني»، بتأليف واخراج جابر حسن، الذي استعرض حياة مواطن بائس، يواجه صاحب سلطة في بلده وتحكماته فيه وفي خصوصياته، وحرمانه إياه من ابسط حقوقه كمواطن، متمثلة في السكن المناسب والعلاج، وطعّم المخرج المسرحية بمختلف القضايا السياسية العارضة على المجتمع، بذكر الفقر والتجنيس وتدني مستوى الخدمات الصحية.

نادي عالي الثقافي والرياضي كانت مساهمته في المهرجان بمسرحية «الطريد»، التي أعدها حمزة محمد، وأخرجها إبراهيم المنسي.

المسرحية تصور حال شخص مطلوب من العدالة، يفر هاربا من دون وجهة محددة، يتفاعل من خلال عدد من المشاهد، حتى يصل إلى لقاء شخص يتفهم حقيقة براءته، إلا أنه - الطريد - يكون قد يأس من حياته، متمنيا الموت كحل لحال القلق التي يعيشها من جراء الهروب المتكرر، حتى يفاجأ بأحد المخبرين وهو يحاول القبض عليه، ما يدفعه للانتحار.

ختام المهرجان كان بعرض مسرحية «المطحون» من تأليف حسن بوحسن، وأخرجها طاهر محسن، التي يأتي عرضها للمرة الثانية، بعد عرضها خلال مهرجان مسرح أوال، وتمثل المسرحية صراع انسان فقير مع ظروف الحياة الصعبة، ومحاربته للشهوات والملذات، وقناعته بما لديه، الأمر الذي يدفع بالشيطان لمحاولة استدراجه واغرائه من دون أن يوفق بسبب عدم وجود أحلام عند هذا الشخص.

المهرجان كان متميزا من حيث المستوى، وغلب على معظم المسرحيات توظيف الكوميديا السوداء ما بين الحوارات، وذلك كوسيلة للتنفيس عن الهموم والتعبير عن مواقفهم تجاه بعض القضايا، وعلى رغم ذلك، فقد كان الجمهور الكثيف للمهرجان يضحك لهذه التعليقات، وذلك لما لها من ملامسة مباشرة على واقعهم المعاش.

العدد 1714 - الأربعاء 16 مايو 2007م الموافق 28 ربيع الثاني 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً