لا نعرف ما يجري في البحرين، البر ذهب ولم يعد بإمكان وزارة الإسكان أن تنشئ مشروعات إسكانية، والبحر صودر وبيع ولم يعد بإمكان الأهالي الذين لطالما تعودوا على استنشاق نسائمه أن يحصلوا ولو على منفذ بسيط، فكل سواحله كتب عليها «أملاك خاصة»!
بالأمس، بيع خليج توبلي بالكامل ودمرت بيئته البحرية، ووزعت أراضيه المغمورة بالمياه ولم يعد بإمكان الأسماك والروبيان أن تضع بيضها فيه وتتغذى على نباتاته، ولم يعد بإمكان محمية القرم الضخمة أن تنمو من جديد، وضلت الطيور المهاجرة طريقها إلى البحرين لأنها أصبحت منطقة محرمة عليها، فلا مكان فيها إلا للبنايات الاستثمارية والتجارية والقصور الفاخرة التي تطل على البحار!
واليوم، حكاية جديدة تضاف إلى الحكايا الحزينة التي تزخر بها أرض البحرين، حكاية تضم إلى قصص النخلة والينابيع والعيون، حكاية فشت الجارم الذي يبدو بأنه سيكون في عداد الأملاك الخاصة وبمبلغ 750 مليون دينار. السؤال المطروح هنا هو: هل يجوز التصرف في الملك العام؟ وكيف ستتم عملية البيع إن قدر لها أن تتم؟ وأين ستذهب الأموال يا ترى، إلى خزينة الدولة لدعم المشروعات العامة أم أنها ستدخل خزينة خاصة؟
بغض النظر عن المبلغ المحدد لبيع فشت الجارم، الذي لا يزيد كثيرا على مبلغ انتقال لاعب كرة القدم الإنجليزي الشهير ولاعب ريال مدريد الإسباني ديفيد بيكام إلى الولايات المتحدة، والذي يقدر بـ 250 مليون دولار! فإن السؤال الذي يلح في هذا السياق هو هل تباع أجزاء الدولة بهذا المبلغ؟
الغريب أن الكثير من البرامج والخطط توضع لحل مشكلة ما لتخلق مشكلات لا قبل لها، فإذا ما بيع الفشت الذي يعد أحد أهم مصائد الأسماك، فهل يعني ذلك أن البحرينيين لن يجدوا الأسماك في الأسواق إلا بأسعار خيالية؟ وهل يعني ذلك أن تلجأ ربات البيوت إلى العزوف عن الأسماك الطازجة في طبخاتهن، ويكتفين بطبخ «صالونة التونة»!
إنا لله وإنا إليه راجعون، هو المصير المحتوم المكتوب على جبين البشر، وكل نفس ذائقة الموت وما من شيء إلا فان إلا وجه الله... هو عزاؤنا الوحيد في فشت الجارم، فقد انتقل إلى رحمة الله كما مات قبل حين بحرنا ودفن وقبر، والسلسلة مستمرة لأن الموت رحمة من الله وهو سنة الحياة، ولولا الموت لما كانت للحياة معنى! دعونا نخدع أنفسنا بهذا الكلام وسيأتي اليوم الذي لن نجد اسم البحرين على علمنا.
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الملا"العدد 1713 - الثلثاء 15 مايو 2007م الموافق 27 ربيع الثاني 1428هـ