الحديث عن فشت الجارم هو الحديث عن مبدأ مهم يتعلق بثروة الوطن... فالوطن يتكون أساسا من أرض وشعب يعيش على تلك الأرض، وفيما لو اختفى أحدهما، فإن مفهوم الوطن يختفي. ومثل على ذلك جزيرة «دييغو غارسيا» التي قام البريطانيون بإفراغها من أهلها قبل عدة عقود وسلموها إلى الأميركان لإقامة قاعدة عسكرية عليها، وبذلك لم تعد الجزيرة وطنا، لأنها أرض من دون شعب. وكذلك الحال مع شعوب الشتات الذين لايكّونون وطنا. فأي شعب يتشتت لا يمكنه أن يتحدث عن وطن، لأن الأرض غير متوافرة.

ولكننا في البحرين نعتبر انفسنا وطنا عريقا ممتدا في عمق التاريخ، بل إن صلاتنا مع السومريين بآلاف السنين قبل الميلاد تشير إلى اننا من اقدم الاوطان الجميلة التي يلتحم فيها الشعب بأرضه عبر وشائج معنوية متأصلة في النفس الانسانية. وعليه فإننا ننزعج عندما نشعر بأن وطننا يتحول إلى جزيرة من دون سواحل، وننزعج عندما تختفي الشفافية في موضوع الاراضي والسواحل والجزر، ويصل سوء الحال الى الفشوت ايضا، بحيث لم نعد نعرف إن كان قد بقى شيء تحت الملكية العامة للدولة أم لا!

إن مشروع الاصلاح الاقتصادي الذي يقوده سمو ولي العهد يحتوي على مبادرة التخطيط الهيكلي الاستراتيجي لأراضي وسواحل وجزر وفشوت ومياه البحرين... وقد انتهت شركة «سكيديمور» الاميركية من اعداد المخطط، وتم عرضه على الحكومة، ومن المفترض ان تحوله الحكومة الآن إلى مجلس النواب وإلى المجالس البلدية للاطلاع والتعليق عليه، ومن ثم السعي إلى تنفيذه عندما يعرف الجميع فحواه وتفاصيله.

ويأتي الحديث عن صفقة كانت تستهدف بيع فشت الجارم، ونحمد الله ان الحكومة - التي تلكأ المسئولون فيها كثيرا عندما اتصل بهم محررو الصحيفة - قد ردت على «الوسط» وطرحت رأيها... وهو رأي مهم ولو انه مقتضب ولا يفصح عن الكثير، والدور الآن لمجلس النواب لفحص الامر ومن ثم إبداء وجهة النظر بشأن ما يجري في فشت الجارم وغيره، بحيث يمكن اعتماد استراتيجة تحفظ لنا وطننا من الاندثار.

فثروة الوطن يجب ان تكون تحت المجهر للحفاظ عليها، وهي أمانة في رقابنا، واجيال المستقبل سيسألون عن الدور الذي لعبناه لكي نورثهم وطنا يعتزون به ويعشقونه، تماما كما نعشقه، وكما عشقه اجدادنا منذ آلاف السنين.