أعترف أنني لم أسمع مصطلح «البويات» إلا من الصحافة البحرينية، ولولا أن بعض هذه الصحف شرحت هذا المصطلح لما استطعت أن أجد له تفسيرا... و «البويات» جمع «بوي» ولست أدري من أين جاء هذا الجمع فهو على غير قياس - لا عربي ولا أعجمي - وهو كما يقول أهل اللغة - جمع تكسير، ولعل الذي اخترع هذا الجمع «المكسر» أخذه من أفعال هؤلاء «البويات» التي لا تتفق مع الأديان ولا الأعراف ولا عادات البلاد فهي أفعال مكسرة تسيء إلى أصحابها كما تسيء - أيضا - إلى بلادهم... هذه الظاهرة بمفهومها العام ليست حديثة على المجتمعات العربية، ففي تاريخنا القديم قرأنا عن ظاهرة النساء «المسترجلات» اللائي ظهرن في العصر العباسي وكيف كن يقلدن الرجال في مشيتهن وفي قص شعورهم وربما في أشياء أخرى. وفي الفقه الإسلامي قرأنا عن ظاهرة «السحاقيات» وعن كيفية التعامل معهن «فقهيا» ووجود هذه الظاهرة في المجتمع الإسلامي هو الذي جعل العلماء يتحدثون عنها ومثلهم المصلحون والمثقفون والسياسيون.
وبطبيعة الحال فإن هذه الظاهرة الشاذة لم تقتصر على النساء وإنما وجدت بين الرجال أيضا ولعلها كانت أكثر انتشارا من الظاهرة النسوية لاسيما في العصر العباسي بسبب كثرة انتشار الرقيق الذي جاء من معظم بلاد الدنيا وبأفكارهم وثقافاتهم التي حملوها معهم من بلدانهم...
هؤلاء كان يطلق عليهم آنذاك «المخنثون» ومعناها أنهم لا ينتمون لا إلى جنس الرجال ولا إلى جنس النساء وهم خليط بين هؤلاء وأولئك.
الشيء المتفق عليه آنذاك أن هذه الأجناس الشاذة كانت محتقرة شعبيا وكانت السلطة تعاملهم بشدة تصل إلى حد القتل أحيانا وخصوصا إذا صدر منهم ما يدعو إلى ذلك.
الشيء الذي أود قوله إن هذه الظاهرة خطيرة على مكونات المجتمع وأفكاره ولكنها في الوقت نفسه ليست مستعصية على الحل إذ كانت هناك جدية في معالجة هذه الظاهرة الشاذة.
الشيء الذي أحزنني كثيرا الخبر الذي نشرته صحيفة بحرينية إذ يقول إن أحد الأمهات تقدمت بشكوى ضد وزارة التربية والتعليم بسبب وجود أعداد من «البويات» في مدرسة ابتدائية وإن هؤلاء يقمن بتقبيل بعضهم بعضا أمام بقية الطالبات، كما أن بعضهن تبكي بشكل غير عادي إذا غابت «صاحبتها» عن المدرسة ذلك اليوم، فضلا عن وجود ممارسات أخرى تصب في هذا الاتجاه المؤسف.
المخزي في هذا الخبر أن حوادثه التي روتها والدة إحدى الطالبات تجري في مدرسة ابتدائية، أي بين أطفال لا تتجاوز أعمارهن الثاني عشر عاما فكيف هو الحال في المدارس المتوسطة أو الثانوية؟
هذه المسألة في رأيي لابد أن تعالج من أكثر من جهة منها: الأسرة والمجتمع والمدارس وأخيرا السلطة التي لا بد لها أن تتدخل لحماية المجتمع من أخطار هذا الفساد الذي قد ينتشر كثيرا.
أعتقد أنه لا أحد يختلف معي في أهمية الدور الذي يجب أن تقوم به الأسرة تجاه أبنائها لاسيما الأطفال منهم، وإهمال هذا الدور يعني ببساطة مطلقة أن الفساد الأخلاقي وسواه لن يجد ما يوقفه عند حده. ولأن الأسرة جزء من المجتمع وأوضاعها أيا كانت تؤثر عليه وعلى نسيجه وقوته وتماسكه ومن هنا يأتي دور التناصح بين جميع أبناء المجتمع ليضغط بعضه على البعض الآخر - اجتماعيا - بهدف تقليل أو إنهاء المظاهر المخلة بقيم المجتمع وضوابطه.
من المعروف دينيا واجتماعيا أن السكوت على المفاسد يجعل المجتمع كله يتحمل مسئولية ما يحدث فيه مفاسد، كما أنه أيضا يصبح كله مسئول أمام الله عز وجل وليس الأشخاص الذين ارتكبوا تلك المفاسد فحسب... وزارة «التربية» ومدارسها ومدرسوها - رجالا ونساء - يتحملون المسئولية الأكبر أمام هذه الظاهرة الشاذة التي ما كان لها أن تبرز وبصورة معلنة في المدارس.
لست أدري ما هي صلاحيات هذه المدارس ولكني أعرف أن المدرسين والمدرسات لو قاموا بواجباتهم بصورة جيدة لتقلصت هذه الظاهرة كثيرا، عليهم أن يحسنوا توعية أبنائهم الطلاب بمخاطر هذه الظاهرة ومثلهم الطالبات، وعليهم بعد ذلك إيقاع العقوبات على الذين لا يتجاوبون مع نصحائهم حتى وإن أدى ذلك إلى فصل المسيء من المدرسة بصورة نهائية. اعتقد أيضا أن على مجلس النواب وكذلك جمعيات المجتمع المدني دور في تحجيم هذه الظاهرة بإصدار قوانين لمحاربتها وإظهار خطرها على المجتمع. قد يقول البعض وهل تستحق هذه الظاهرة (البويات) كل هذه التعبئة ضدها؟ هي - كما قد يقول البعض - لا تمثل إلا نسبة ضئيلة في المجتمع وبالتالي لا يحسن إعطاؤها حجما أكبر من حجمها.
أتفق مع القائل إن تلك الظاهرة ضئيلة ولكنني أخالف من قد يقول إنها لا تستحق البحث لأنني أؤمن بالمثل القائل: إن معظم النار من مستصغر الشرر، وما نراه الآن قليلا قد لا يصبح كذلك في المستقبل القريب والشواهد كلها تقود إلى هذا الرأي.
قد نفتح عيوننا في المستقبل فنرى أن هذه الظاهرة قد استفحلت، وقد تتطور إلى ظواهر أخرى يخترعها أولئك الشواذ فهم يستمرؤون أفعالهم إذا لم يجدوا من يوقفهم عنها.
المجتمع يجب أن يكون متماسكا ولا يسمح بظهور أشياء شاذة تخالف دينه وقيمه لكي لا تصبح هي الأساس وعداها هو الشاذ. شبابنا وشاباتنا يجب أن يكونوا أقوياء أصحاء ليشاركوا في بناء وطنهم ومن دون هذه القوة سيكونون عالة على وطنهم ومسمارا يدق في نعشه، ولعل العقلاء جميعا يدركون هذه الحقيقة ويعملون من أجل تحقيقها.
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 1712 - الإثنين 14 مايو 2007م الموافق 26 ربيع الثاني 1428هـ