يواجه التأمين في المنطقة العربية معضلة أساسية هي اتجاه شركات التأمين فيها إلى تركيز محافظها الاستثمارية في أسواق المال المحلية التي شهدت ارتفاعات كبيرة في العام 2005، استفادت منها هذه الشركات في شكل أرباح قياسية وتعاملت بعض الشركات مع هذه الأرباح بذكاء، إذ حولت جزءا منها إلى زيادات في رؤوس الأموال، ولكن الأرباح التي جاءت مع ارتفاعات مؤشرات البورصات تحولت إلى خسائر مع تحول هذه المؤشرات إلى الاتجاه الهبوطي في 2006، فتراجعت أرباح شركات التأمين الإماراتية بنسبة 67 في المئة بنهاية الأشهر التسعة الأولى من 2006، وتراجعت أيضا أرباح الشركات في البحرين، عُمان، والكويت.
ووسط تطورات قطاع التأمين العربي فإن هناك جوانب مضيئة تتمثل في نمو إجمالي الأقساط في كل الدول العربية تقريبا، وكذلك نمو الاستثمار العربي المشترك في المجال من السعودية إلى البحرين ومصر الذي يؤكد أن قطاع التأمين في المنطقة مليء بالفرص.
أيضا فإن نمو (التأمين التكافلي أو الإسلامي) الذي يرى البعض أنه أكثر توافقا مع المناخ الثقافي السائد في المنطقة يعطي مؤشرا آخر على فرص جيدة في القطاع، وتملك ثلاث شركات تكافلية مواقع في قائمة أقوى 20 شركة تأمين هي: سلامة الإماراتية والأولى للتأمين التكافلي الكويتية والإسلامية القطرية للتأمين، وتعد منطقة الخليج الآن مقرا لكبريات الشركات في مجال التكافل خصوصا البحرين والإمارات. وتوقعت وكالة موديز الأميركية للتصنيف الائتماني أن يصل حجم قطاع التأمين التكافلي في الشرق الأوسط وماليزيا إلى 7.4 مليارات دولار بحلول العام 2015 من ملياري دولار في 2005، وقالت: إن القطاع نما خلال السنوات الأخيرة بمعدل 20 في المئة سنويا.
وعلى رغم التفاؤل الذي يحيط بمستقبل التأمين التكافلي إلا أنه يواجه مثل باقي قطاع التأمين العربي التحديات ذاتها التي لخصها إبراهيم مهنا أحد أبرز خبراء التأمين اللبنانيين والعرب بعدم تماشي قوانين التأمين في الكثير من البلدان العربية مع المتطلبات العالمية، ولاسيما معايير الجمعية الدولية لهيئات الإشراف على التأمين، وكذلك كون بعض هيئات الرقابة على التأمين لا تؤدي الدور المطلوب منها، وهذان السببان بالإضافة إلى ضعف الوعي بأهمية التأمين في المنطقة العربية وتحديات تحرير القطاع تظل هي المعضلات الأساسية التي يجب على جميع العاملين والمراقبين لقطاع التأمين العربي - الذي مازالت مساهمته في الناتج الإجمالي المحلي للمنطقة في حدود 1في المئة. تتركز معوقات تنمية أسواق التأمين العربية في أنها صغيرة الحجم ومحدودة الإمكانات؛ كما أنها تتعرض لمنافسة من الشركات العالمية التي تتميز بإمكانات مالية وفنية عالية جدّا، ولديها أنظمة متقدمة في كل مجالات التأمين.
وحـذرت دراسة اقتصادية من تأثير تطبيق اتفاقية الجات ومنافسة الشركات الأجنبية على صناعة التأمين في العالم العربي خصوصا أن واقع هذه الصناعة لم يشهد أية تطورات أو إصلاح لأنظمة التأمين في الوطن العربي منذ حقبة السبعينات في القرن الماضي. وذكرت الدراسة التي أعدها رئيس مجلس إدارة شركة الشرق للتأمين المصرية أنور ذكري بعنوان (الوعي التأميني بين الضرورة والانتشار والتنسيق بين أطراف العملية التأمينية). أن النقص في الوعي التأميني لدى المجتمعات الأقل ثقافة قد يصل ذروته في المجتمعات ذات الدخول المنخفضة أو تلك التي تعطي الأولوية لاحتياجاتها المعيشية الأساسية كالغذاء والكساء وما شابه.
وقالت الدراسة: إن المملكة السعودية لديها أكبر سوق تأمين على مستوى الخليج العربي خصوصا في مجال التأمين الطبي وتأمينات النقل البحري وبعض التأمينات الأخرى لكن الوعي التأميني منخفض بينما يوجد في لبنان أكثر من 60 شركة تأمين ولكن رؤوس أموالها ضعيفة وهزيلة وعلى رغم ذلك فإن الوعي التأميني في لبنان بين أفراد المجتمع مرتفع جدا ويتأثر به كل أنواع التأمين بل ويكاد يتساوى في المرتبة مع الدول المتقدمة.
وأشارت الدراسة إلى أن معدل مساهمة الفرد في أقساط التأمين في الوطن العربي يبلغ في المتوسط 22 دولارا بينما يبلغ في الدول الصناعية الكبرى 275 دولارا.
وأضافت الدراسة أن حجم أقساط التأمين في الوطن العربي يبلغ نحو 6 مليارات دولار تعادل 1 في المئة فقط من حجم الناتج القومي بينما على المستوى العالمي تبلغ نسبة أقساط التأمين إلى الناتج القومي 8.8 في المئة. ويبقى القول إن الأمل في تطوير صناعة التأمين العربية معلق إلى حد كبير على مدى الاتجاه نحو دمج هذه الصناعة الحيوية بالصناعة المالية بمفهومها الشامل؛ بمعنى التكامل بين عمل شركات التأمين وخدمات المصارف على غرار ما حدث في الأسواق الدولية.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1712 - الإثنين 14 مايو 2007م الموافق 26 ربيع الثاني 1428هـ