العدد 1712 - الإثنين 14 مايو 2007م الموافق 26 ربيع الثاني 1428هـ

لبنان بعد تسعة أشهر على العدوان

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

مضت تسعة أشهر على العدوان الأميركي - الإسرائيلي وحتى الآن لايزال لبنان يعاني من آثار ذاك الدمار الشامل الذي تعرضت له بناه التحتية من خراب وتحطيم. فهذا البلد الصغير الضعيف في إمكاناته وثرواته الطبيعية تحمل ويتحمل مسئوليات الضعف العربي وتبعات تلك السياسة التي لم تتوصل حتى الآن إلى إعادة تشكيل هيكلية استراتيجية مشتركة تحد من تكرار الهجمات على دولة قيّض لها أن تكون هدفا للاعتداءات المتواصلة.

العدوان الذي تعرض له لبنان في الصيف الماضي يفوق الوصف في همجيته. وما حصل خلال 34 يوما فاق كل الحسابات الرقمية وحتى الآن لايزال هذا البلد يدفع ثمن التداعيات السياسية لذاك العدوان الذي وصفته وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس بـ «المخاض» لولادة «الشرق الأوسط الجديد».

«مخاض» العدوان لم تكتمل كما يبدو شروطه السياسية. فالبلد بعد مرور تسعة أشهر لايزال يدور حول نفسه بين معارضة وموالاة وبين «8 و14 آذار» وصولا إلى احتمالات تفاقم وضعه الأهلي بسبب عدم قدرة الدولة (الضعيفة والمشلولة أصلا) على احتواء تداعيات العدوان ونتائجه الكارثية والميدانية. البلد يمر فعلا في فترة «مخاض» بعد تسعة أشهر على العدوان. وكل المساعدات التي وصلت إليه لا تكفي لإعادة إعمار ما دمرته الحرب. فالكلفة عالية جدا وما تم توزيعه حتى الآن لا يعادل 20 في المئة من المجموع العام. والأموال النقدية التي دفعت في الشهر الأول بعد وقف العدوان في 14 أغسطس/ آب الماضي كانت مجرد «تسكين» مؤقت للأوجاع. والآن بعد مرور الشهر التاسع بدأت تحركات شعبية تطالب بالتعويض في وقت تبدو الخزينة شبه فارغة وغير قادرة على تلبية المطالب الملحة. فالنقد الذي دفع مباشرة لا يكفي لسد رمق العائلات والأسر لفترة طويلة في اعتبار أن إعادة الإعمار يحتاج إلى وقت يزيد على الشهور وكذلك يحتاج إلى مبالغ هائلة تتجاوز المليارات.

الدولة قدرت الخسائر المباشرة بين 2.8 و4.8 مليارات دولار تسلمت منها نقدا حتى الآن نحو 707 ملايين دولار وأنفقت منها 320 مليون دولار وهي في مجموعها تشكل أقل من 20 في المئة من الخسائر المباشرة. أما الخسائر غير المباشرة المتمثلة في هروب الرساميل والاستثمارات وتعطيل دورة الإنتاج وإنهاك القطاعات الاقتصادية فهي تتجاوز في مجموعها العام 12 مليار دولار. وهذا الرقم قياسا لدولة صغيرة محدودة الإمكانات يعتبر ضخما وربما كافيا لزعزعة استقرارها الأمني وتوازنها الداخلي.

المسكنات النقدية المباشرة التي وزعت لعائلات الضحايا والجرحى والمشردين انتهى مفعولها وبدأت الناس تبحث عن بدائل لتعويض الكارثة الإنسانية وما أنتجته الحرب من دمار شامل للبنى التحتية والبلدات والقرى والمدارس وغيرها من قطاعات تقدم خدمات ووظائف للناس.

ضخامة الكارثة تحتاج فعلا إلى مساعدات عاجلة وخصوصا من الدول الأجنبية. فالأموال النقدية والعينية التي أسعفت لبنان كلها جاءت من الدول والمؤسسات العربية والمسلمة وهي فعلا ساعدت البلد ومنعته من الانهيار أو الانفجار بينما الوعود التي أعلنت عنها الولايات المتحدة والدول الأوروبية والآسيوية فهي مشروطة بتحقيق «إصلاحات اقتصادية». وبما أن البلد عاجز في وضعه الحالي عن اتخاذ قرارات وغير قادر على التفكير في «إصلاحات اقتصادية» في فترة يحاول الخروج من تحت الأنقاض فإن المساعدات تأخرت ويرجح أنها لن تصل إليه قبل أن يحصل «المخاض».

مخاض وولادة

تهديد رايس بالمخاض والولادة الجديدة لم يكن مجرد كلام أطلق في الهواء وإنما اعتمد على بينة محسوسة لنتائج العدوان. فالإحصاءات الأولية تشير إلى أن الهجمات الجوية والقصف المدفعي والصاروخي البري والبحري أدى مبدئيا إلى تعطيل مدارج مطارات بيروت والقليعات والرياق، وتدمير 44 جسرا و219 طريقا و44 تحويرة (دائرة) و21 عبارة (جسور صغيرة). هذا على مستوى المطارات والطرقات والجسور. أما على المستويات الأخرى فإن حرب التدمير أدت إلى تحطيم 58 خزانا للشرب و58 سنترالا للهاتف و103 مراكز للهاتف. كذلك دمر العدوان 862 مدرسة جزئيا و22 مدرسة كليا. وأدى أيضا إلى تدمير 337 بلدة وقرية كليا وجزئيا ونحو 70 ألف وحدة سكينة في الجنوب. أما في الضاحية الجنوبية فقد أسفر العدوان عن تدمير 75 مبنى كليا و171 مبنى بحاجة إلى إصلاح وترميم بينما بلغ مجموع الوحدات السكنية المحطمة في الضاحية وحدها 25 ألفا.

هذه الخسائر المباشرة تحتاج إلى مليارات لإعادة الترميم والتأهيل والإصلاح. تضاف إليها عشرات المناطق التي استهدفت في مناطق عكار والهرمل والبقاع وجبل لبنان فضلا عن خزانات النفط والمساحات التي زرعت بالألغام والقنابل العنقودية. فالكميات المتسربة من تخزين النفط بلغت 15 ألف طن بينما المساحات التي غطتها القنابل والألغام فقدرت بأكثر من 14 مليون متر مربع وهي تحتاج إلى نزع وتنظيف حتى تعود صالحة للسكن أو الزراعة.

هذه الأرقام تشمل جوانب من الخسائر الحجرية. أما الخسائر البشرية فهي كبيرة قياسا بسكان البلد الصغير. الإحصاءات قدرت الشهداء بـ1200 والجرحى بـ 4400 بينما نزح عن الجنوب ومناطق القصف المباشر ربع مليون إنسان مقابل أكثر من ربع مليون هاجروا لبنان بحثاُ عن عمل ومصادر رزق لإعالة أسرهم وأولادهم وأهلهم.

كل هذا الدمار الشامل أطلقت عليه رايس «المخاض» وهي تتوقع منه أن يؤدي إلى ولادة جديدة للشرق الأوسط. الآن وبعد مرور تسعة أشهر يرجح أن تبدأ التداعيات الفعلية لذاك العدوان وخصوصا إذا بدأت «المسكنات» تفقد مفعولها. فالدولة تعيش فعلا على التخدير منذ وقف العدوان كذلك الناس ومختلف القطاعات الاقتصادية والإنتاجية الشعبية والمؤسساتية. وحتى الآن لم يكتشف الشعب في مختلف فئاته تلك النتائج الكارثية التي حاول «المخاض» الأميركي - الإسرائيلي إلحاقها بهذا البلد الصغير.

مضت تسعة أشهر على العدوان ولبنان لم يخرج بعد من تحت الأنقاض. ولولا المساعدات النقدية والعينية التي تقدمت بها الدول العربية والمسلمة لكان البلد شهد الانفجار والانهيار والتفكك الأهلي تمهيدا لضرب المشروع العربي ووضع الكيان تحت الوصاية الدولية.

الدعم العربي خفف الكثير من آلام لبنان وأوجاعه. وبفضل تلك الهبات والمساعدات والودائع في المصرف المركزي أمكن إنقاذ الليرة (النقد الوطني) من الانهيار. كذلك أدت الأشغال العينية في المساعدة على إعادة تأهيل 353 مدرسة وترميم 791 مدرسة ودفع تعويضات لـ 64 ألفا من المتضررين كليا أو جزئيا ورفع 40 في المئة من المساحات المزروعة بالألغام والقنابل العنقودية. يضاف إلى هذه الودائع والهبات والمساعدات الرسمية تلقى البلد تبرعات نقدية وعينية مباشرة من دون المرور بقنوات الدولة الرسمية من منظمات وهيئات شعبية ومدنية ساهمت في التخفيف من آثار العدوان وسلبياته السياسية والأهلية.

لبنان فعلا بحاجة إلى حملة إنقاذ وإغاثة عربية ودولية لمنع تدهوره العام. فالمساعدات التي تلقاها كبيرة ولكنها ليست كافية لسد كل المتطلبات والحاجات نظرا إلى حجم الدمار الشامل الذي تعرض له خلال 34 يوما. الخسائر لا توصف وهي تحتاج إلى خطة إعمار شاملة وخصوصا أن مفعول «المسكنات» شارف على الانتهاء وبدأت القرى والبلدات والمناطق تتحرك للمطالبة في تعويضات حرب الدمار (المخاض) التي حطمت الكثير من البنى الحجرية والأبنية السكانية. والتأخر في هذا المجال يعني تعريض البلد (الدولة والكيان والمجموعات الأهلية) إلى مزيد من التعارض وربما التصادم. وفي حال حصول هذا الاحتمال المخيف فإن المؤشرات ستكون سلبية ولن تكون في نتائجها النهائية بعيدة عن ذاك الوصف الذي أطلقته رايس عن «المخاض» و«الولادة» بعد مرور تسعة أشهر على العدوان.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1712 - الإثنين 14 مايو 2007م الموافق 26 ربيع الثاني 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً