العدد 1711 - الأحد 13 مايو 2007م الموافق 25 ربيع الثاني 1428هـ

تقرير من الداخل!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

التقارير السرية التي نشرتها بعض المواقع الإلكترونية، كشفت عن عمليات «تجسس» تطال الصحافة المحلية، بما يستدعي إجراء تحقيق في الأمر. فليس من المعقول أن تُنشر «رؤية من الداخل» عن إحدى الصحف المحلية، و(عيني عينك)، ولا تعلق عليها «جمعية الصحفيين» ولا «نقابة الصحافيين» بكلمة، ويمر عليها المجتمع الصحافي دون أن يطَرح سؤالا أو علامة تعجب، خصوصا أنه هو القطاع المستهدف بالتخريب من الداخل. فكيف يمكن أن تؤدي الصحافة دورها الوطني إذا كانت منتهكة، تعشعش فيها عناصر مدسوسة تحاول الإضرار بهذه الصحيفة أو تلك؟

السلطة التنفيذية في بعض الدول، عندما سرق أحد الجواسيس وثائق «سرية جدا» مستغلا موقعه الرسمي، قامت بجرجرته إلى المحكمة، وصدر بحقه حتى الآن حكمان قضائيان بالحبس مع الغرامة، ليذوق وبال أمره، فلا تهاون مع تسريب التقارير السرية والمعلومات والخطط «الخاصة» إلى خارج الدائرة، وهكذا تكون السياسة الحازمة. أما السلطة الرابعة، فـ «قلبها روبة»، حتى لو تيقنت أن أحدا نقل «صورة من الداخل» عنها بالتفصيل، من أسلوب كتابة الأخبار إلى أسلوب كتابة المقالات... انتهاء بطريقة رسم الكاريكاتير باليد اليمنى أو اليسرى!

كل العملية يمكن بلعها بطريقةٍ أو بأخرى، سواء من باب الانتقام الشخصي أو الكيدية أو حتى العبث والإضرار بمن لا تحب، ولكنها تصبح أكثر إيلاما عندما ترى زميلا يتعرّض للكذب والافتراء، أو تختلق إفكا ثم ترمي به بريئا.

المسألة أكبر من أن تحتمل، من ناحية الذوق أو المبادئ والأخلاق، ولا تجد لها مبررا على الإطلاق. فما بالك باتهام شخص خالطته وعجمتَ عوده سنين، لم تتلوث يده بتسلم رشوة، ولم يكتب مقالا ليتسلم نقدا أو شيكا من مراكز قوى متنفذة. كان يقول له أحد رؤساء التحرير السابقين: «إنك عشت فقيرا وستبقى فقيرا، ما لم تغيّر من مواقفك كما غيّرها فلان الذي أصبح يمتلك عقارات وسيارات». مثل هذا الرجل الكادح الشريف، تتهمه بأنه مرتبطٌ بوظيفته السابقة في إعلام حزب الله اللبناني، وأنت تعرف بأنك كاذب إلاّ إذا اعتبرت «السفير» و«الحياة» من إعلام حزب الله! وأن طلال سلمان وجهاد الخازن من جنود السيد حسن نصر الله!

هل من «الأمانة» أن تعرّض أمن رجلٍ حرٍ شريفٍ إلى الخطر في عصر الإرهاب الأميركي باختلاق مثل هذه التهمة الكاسدة؟ ثم تُضمنها في تقريرٍ سري إلى رجل متهم في بلادك بأنه جاسوس للمخابرات الأجنبية؟

كم هو محزنٌ أن تكتشف أن من يحذّر من «الطائفية»، يستبطن كل هذا الإحساس الطائفي المرهف، فيتحسّس من الدعوات التي توجّهها بعض المجالس لصحافي عربي قومي بحت، للحديث عن لبنان واحتلال العراق والخلاف الأميركي الإيراني، ويفسّر هذه المحاضرات بأنها لا تخرج ألبتة (حلوة كلمة ألبتة هنا) عن الاستراتيجيات الشيعية في العالم! هذه هي الأمانة والنزاهة الطائفية والضمير؟

ليست القضية إثارة أو ثأرا شخصيا، بل هي قضية رأي عام بالدرجة الأولى، وصحافة تتعرض حرمتها للانتهاك بزرع عناصر تجسسية فيها. من هنا لا يجوز أن يدافع أحدٌ عن المخطئين بدافع الصداقة أو النفرة العصبية، (كما حاول أحد موظفي الجامعة الصغار)، فالفساد مرفوضٌ بأشكاله كافة، حتى لو جاء منا نحن الصحافيين. ويجب ألاّ يفهم الكلام أيضا بأنه موجه ضد هذه الصحيفة أو تلك، فكل جوائز الدنيا لا تغطي الدمار النفسي، وكل رساميل بيوت التمويل لا تعوّض الخراب المعنوي الذي تخلفه الأعمال الجاسوسية القبيحة. أما البريء فقد كان بليغا جدا في رده المختصر المفيد: «شخص وضيع رقيع». إن في ذلك لعبرة للجواسيس!

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1711 - الأحد 13 مايو 2007م الموافق 25 ربيع الثاني 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً