قبل شهر تقريبا، بعث أحد الزملاء «مسجا» عن وصلةٍ لأحد المواقع الالكترونية للاطلاع عليها. وبعد يومين، تلقيت رسالة الكترونية عن الموضوع ذاته، ثم بدأت أسمع كلاما عن فضيحة «تقرير جديد». ولأننا شبعنا من «التقارير السرية» حتى أصبنا بالتخمة، لم أجد حافزا للاطلاع على «فضائح» جديدة!
بعد أسبوع، أرسل أحدهم الوصلة مع إلحاح للاطلاع عليها، وهكذا دخلت على الموقع الساعة الحادية عشرة من مساء يوم جمعة، ولم أتركه إلاّ الساعة الثانية والنصف فجرا... فلم أكن أتخيل أن يولد «فيلٌ » من بطن «بعير»!
التقرير ورد ضمن تقرير أشمل أعدته «جماعة مجهولة» يبدو أن لها أهدافا خيرية وإصلاحية! ويتحدّث عن صحيفة محلية باعتبارها إحدى ضحايا التقرير القديم، ويحاول إثبات وجود شبكة من الجواسيس في كل الصحف المحلية، وحاول بعض أفرادها الإضرار بالصحيفة المذكورة «من خلال الترتيبات والتقارير السرية من جانب عملائه بالداخل، أو بعض المغرّر بهم الذي كان يحصل منهم على معلومات بأساليب مبتكرة»، كما ورد في ديباجة التقرير.
لسنا نبحث عن أسماء العملاء الذين مازالوا «سريين» في مختلف الصحف، والجهات التي يعملون لصالحها، (والله يستر عليهم)! ولكن من منطلق الحرص على سلامة المجتمع الصحافي، لابد أن نتناول أخطر تقرير نشرته الجماعة «المجهولة»، لما احتواه من تفاصيل كنا نجد صعوبة في تصديقها حتى وقتٍ قريب، وما أعقبه من صدمة شديدة لا تقل عن صدمة تقرير «البعير» الرهيب.
التقرير يتكلّم عن عمليات «تجسّس»، والكشف عن طرد صحافي كان يرسل مواد صحافية إلى جهةٍ إعلاميةٍ (لا ندري ما هي الجهة ولا ماهية المواد)، ويبعث رسائل بأسماء وهمية ضد الصحيفة، ولم يكشف التقرير كيفية إرسالها من مقاهي انترنت متفرقة للتمويه على شخصية الجاسوس، ولا المقابل الذي استلمه من تلك الجهة!
التقرير «الجديد» يتضمن رسالة تبدأ ديباجتها هكذا:
«عزيزي الدكتور (فلان)... هذه الملاحظات كتبتها ما بين 30/5/2003 - 2/6/2003، وعملت منها ثلاث نسخ فقط، لرئيس التحرير ومدير التحرير ولي، وذلك لمناقشتها وتمت مناقشة سطرين فقط بعدها أدخلت في (كوما) ولم يتم الرجوع إليها»، (التحقيق الدقيق كشف أنه لم يكن صادقا، فقد جرى بحثها وأوراقا أخرى في عدة جلسات ولم تدخل في غيبوبة كما زعم).
ويستطرد في أسلوب (من أخذ على صاحبه «الدكتور») بقوله: «هذه النظرة من الداخل، سترى كمية الصراحة التي تقترب إلى القسوة أحيانا، ولكنها الأمانة التي تكلفني دائما الشيء الكثير. وهذه الورقة ربما تساعدك في إكمال نظرتك لـلصحيفة من الداخل»!
ربما يمر القارئ على هذه العبارات ببرود، لكن كيانه سيهتز إذا وضعها في سياق عملية تجسس تطال الصحف المحلية، لم نعرف منها إلا القليل. ولا نبالغ إذا وصفناها بالزلزال الذي أصاب الصحافة، حين تكتشف بعد سنوات من الغفلة وحسن الظن بالآخرين، أن من عمل معك كان يتجسّس عليك، ويكتب عنك التقارير السرية «المحترمة». وتصل به «الأمانة» إلى تسريب تقرير لم يطلع عليه غير ثلاثة أشخاص فقط، وتبلغ به «الصراحة» إلى تهريب وثائق خاصة بالمصطلحات المعتمدة في أسلوب الكتابة الموحد (الاصدار الرابع - 30 مارس/ آذار 2003م).
فعلا... كميةٌ مذهلةٌ من الصراحة التي لم تقترب إلى القسوة بل تجاوزتها إلى «الكآبة»! فأنت أمام تقرير شامل، يبدأ بمسئولي الصحيفة، ثم يجول في مختلف الأقسام، من المحليات والتحقيقات، إلى الثقافة والمنوّعات، والرياضة والاشتراكات، والرياضة والمعلومات! منتهى الأمانة والمهنية و«الصراحة التي تكلّف الكثير»!
اصبر على العربدة . أدر خدك الآخر. اغمض عينيك على القذى. سامح وإلاّ فأنت قاسي القلب. خازوقٌ آخر. بمن تثق اليوم؟ في زمن اللايقين تحسّس رأسك.إنه زمن الكآبة فعلا!
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1710 - السبت 12 مايو 2007م الموافق 24 ربيع الثاني 1428هـ