حدثت في إحدى الدول العربية اضطرابات لا علاقة لها بقلب نظام الحكم، ولكن الذي أخرج الناس من بيوتها جوعة البطن لا غير. حين تبيّّن للطغمة الحاكمة هدف الاضطرابات تلك، وبدافع النظرة الدونية للشعب، أطلقوا على الناس الذين أخرجهم الجوع (أبوبطن، أم بطن) بمعنى أن هؤلاء كالأنعام، همها علفها ومرعاها، فأنّا للمتضخم أن يشعر بمن قرصه ألم الجوع، أو يحس بحرارة الحرمان الذي يتلظى من وجعها المحرومون، ومن يعيب على هؤلاء المحرومين حديثهم عن المال وأهمية إشباع حاجاتهم المادية، نحيله على القرآن الكريم، ليتعرف على خطورة المال الذي قدّمه القرآن دائما وأبدا على الأولاد، فقال «المال والبنون زينة الحياة الدنيا» (الكهف: 46)، وقرن الصلاة بالزكاة، وهدد من لا يدفع الحقوق المالية لمستحقيها بالنار، ورغّب دائما وأبدا في الإنفاق على المحتاجين، وجعله تعبيرا عمليا عن حقيقة الإيمان بالله والرغبة في ثواب الآخرة. ولمكانته الغريزية في نفس الإنسان، وظف القرآن رغبة الإنسان في إشباع الجانب المادي لدفعه نحو الاستقامة والتنازل عن شيء منها للفقراء وذلك بتبشيره بالجنة وما فيها من ملذات. ولشدة خطورة العوز والحاجة وأثرها على فساد المجتمع وخراب العلاقات نتيجة التفاوت الفاحش، قيل أن الفقر سلاح الطغاة.
ومع تقدير موقف الحكومة بصرف 100 دينار للأسر الفقيرة المسجلة في وزارة التنمية الاجتماعية، وتقدير ما تقدمت به كتلة الوفاق باقتراح لدفع 20 دينارا لكل فرد من أفراد الأسرة التي يقل دخلها الشهري عن 1000 دينار لمدة 3 أشهر لتخفيف ما حل بالأسر محدودة الدخل من ضرر نتيجة الارتفاع المفاجئ في الأسعار وبشكل كبير جدا، مع لفت نظر الكتلة إلى أهمية مراعاة عدد أفراد الأسرة بدلا من جعل الألف دينار معيارا وحيدا، فمن يعيل فردين ومن يعيل عشرة لا يستويان وإن تساويا في الراتب. ففي رأي كاتب هذه السطور أن الحل المطلوب الذي يتسم بالديمومة والاستمرار يتم من خلال دراسة تصدر بقانون تراعي مختلف الجوانب، تحدد خط الفقر، تقوم الحكومة بتكملة المبلغ المطلوب لكل أسرة لا يكفيها دخل عائلها، فالدولة وبحسب الدستور ضامنة ومتكفلة بتوفير مستوى معيشي لائق لأفراد المجتمع.
وإذا تم إصدار قانون بخط الفقر، حينها يمكن أن ترفع الدولة ما تقدّمه حاليا من دعم عن السلع وبعض الخدمات، وهذا سيسهم في تدبير جزء من المبالغ المطلوبة لرفع المحتاجين فوق خط الفقر، بدلا من الوضع الحالي إذ يستفيد الكل من الدعم سواء المستحق وغيره، والمواطن والأجنبي، من أفراد أثرياء وفنادق ومطاعم منتشرة في طول البلاد وعرضها، حتى انطبق على هذا الدعم المثل الشعبي الدارج «إللي ينوح وإللي ما ينوح ياكل من عيش الحسين»، وعلى الدراسة أن تضع في اعتبارها الأسعار الجديدة للسلع الضرورية والخدمات بعد رفع الدعم عنها.
الدعم المخصص للسلع الغذائية الأساسية، والذي يصل حاليا بحسب وزير الصناعة والتجارة حسن فخرو في تصريح له بتاريخ 16 أبريل/ نيسان 2007، إلى 12 مليون دينار، يتعلق بثلاث سلع غذائية وهي الطحين، اللحوم والدواجن، وهذا يعني أن كل فرد في هذا الوطن، مواطنا أو أجنبيا، صغيرا أو كبيرا، ينال ما يقرب من 1.4 دينار شهريا إذا افترضنا أن مجموع عدد السكان 720 ألف نسمة. وفي ظل زيادة عدد السكان وخصوصا من الأجانب الذين زادوا 50 في المئة في السنتين الأخيرتين، بجانب ارتفاع الأسعار، فإن هذا المبلغ يعتبر ضئيلا وهو لا شيء أمام فوائد شركة بحرينية كشركة بتلكو، ولكن يمكن تخفيف المشكلة بزيادة هذه المبالغ وحصر الاستفادة منها على من يقعون تحت خط الفقر بحسب الدراسة المقترحة.
كذلك، ينبغي حصر الدعم فيما يتعلق ببعض الخدمات كالكهرباء على المواطنين المطلوب دعمهم، بدلا من الوضع الحالي إذ يمتلك بعضهم عشرات الفلل المؤجرة للأجانب بمبالغ خيالية، والتي تحوي مرافق تستهلك نسبة كبيرة من الكهرباء كالنوادي الصحية وبرك السباحة مثلا، بينما يشمل هذه الفلل الدعم الحكومي، إلى جانب استفادة الأجانب والكثيرين من ذوي الدخول العالية جدا من هذا الدعم، مع العلم أن الدعم الحكومي للكهرباء - بحسب تصريح وزير سابق - يصل إلى ما يقرب من الـ 70 في المئة من السعر الحقيقي للكلفة. ولو تم تمييز من يستحق الدعم ممن لا يستحقه، لأمكن توفير مبالغ كبيرة جدا لغرض الدعم المالي المباشر لمن يقعون تحت خط الفقر. ولكون التعليم العالي الأمل الوحيد لإخراج بعض الأسر من دائرة الفقر، فمن المهم فرض إعفاء رسوم عن الطلاب المحتاجين في جامعة البحرين ولو عن طريق رفع رسوم التسجيل على القادرين، حتى لا يحول فقر أولئك وعوزهم بينهم وبين تطوير حالهم المعيشية، فتصبح الوظائف الراقية دُولة بين الأثرياء وأبنائهم، ويبقى الفقراء يتكرس فقرهم يوما بعد يوم في دائرة مقفلة من فقر يقودهم إلى جهل، وجهل يزيدهم فقرا.
الأمر المحوري هو إقرار قانون بتحديد خط الفقر يتضمن مسئولية الدولة في رفد من يقع تحت هذا الخط من المواطنين، بدلا من دعم عام يتقاسمه المستحقون والمتخمون، المواطنون والأجانب. ولو فعلت الحكومة ذلك، فإنها ستجد أن نسبة مخيفة من الشعب تقع تحت هذا الخط اللعين نتيجة تدني الدخل، وبالأسلوب الحالي، وما لم يتم التفرقة بين المستحق من غيره، فلن ينفع الدعم على السلع والخدمات مثل هؤلاء المسحوقين حتى لو تمت مضاعفته.
إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"العدد 1710 - السبت 12 مايو 2007م الموافق 24 ربيع الثاني 1428هـ