ساهمت العولمة جزئيا بهذا الوضع. العالم أصبح منبسطا، إذا استخدمنا التعبير الذي ألفه توماس ل. فريدمان، وقد تم إيجاد قرية صغيرة يصطدم فيها كل عضو في المجتمعات التي تعيش في القرية بالأعضاء الآخرين ويتفاعل معهم. لقد أزالت العولمة أية مسافة كانت موجودة في يوم من الأيام.
وهكذا يُصبح الصدام والاحتكاك والمنافسة الحادة أمورا لا يمكن تجنبها. بقاء الأصلح يصبح القانون الذي يتوجب على الجميع تبنيه. الاتجاه الحالي الذي أصبحت معه سيطرة الحضارة الغربية على القرية العالمية واضحة جعلت مجموعات أخرى، كالإسلام في هذه الحالة، تشعر بعدم الأمان. التطور الذي حدث أخيرا للإسلام في إندونيسيا يقدم لنا مثالا على هذه الظاهرة.
تساند الكثير من المجموعات المسلمة في إندونيسيا المواقف المتشددة تجاه الغرب. فهي تؤمن أن الإسلام لا يتناسب مع الغرب وبالتالي تسعى إلى تدمير الغرب. أعدادهم القليلة، ولكن العدوانية ومواقفها المعادية تجاه «عدو الإسلام» وضعت مسلمي إندونيسيا في مواقف صعبة ووصمتها بالتطرف والتشدد.
وقد أجبر الشعور بانعدام الأمن والتهديد الناس على البحث عن الملاذ والحماية من شيء ما أو أحد ما. عندما تشعر مجموعة بأنها مهددة من قبل سيطرة ظاهرة من قبل مجموعة أخرى، تجدها تتعمق في ذاتها بحثا عن إجابات كأسلوب لرفض هذه السيطرة. وإذا تعرض الإسلام للتهديد من قبل حضارة أخرى كالحضارة الغربية على سبيل المثال، فسيتعمق المسلمون في الإسلام ويخرجون بأفكار وإجابات وحلول لرفض هذه السيطرة. وقد تحقق جهود التعمق هذه نتائج مختلفة قد تكون متناقضة.
النتيجة المحتملة الأولى هي الرفض القوي والمواجهة. قد يخرج المسلم، من خلال التعمق في الإسلام، بفكرة متطرفة في الدين ترفض كل ما هو مختلف، فتنتفض الحركات الأصولية باسم الدين لمحاربة «العدو». وهكذا إذا نُظر إلى الهيمنة الغربية على أنها تهديد للإسلام يتوجب إذا رفضها ومواجهتها بكل قوة. يتوجب استخدام القوة والعنف إلى أبعد الحدود لتطبيق هذه الفكرة واثبات وجود أتباعها. إضافة إلى ذلك، يجب أن يفوز هذا الإيمان الأصولي على الحضارة الغربية تحت أية ظروف أو كلفة.
النتيجة الثانية تعني القيم والمبادئ المعتدلة في الإسلام وتعليم أتباعها كيفية مواجهة الخلافات بحكمة وبقلوب مفتوحة. المسلمون في التيار الإسلامي الرئيس ينظرون إلى الإسلام كأسلوب حياة يمتلك درجة عالية من التسامح تجاه المجموعات الأخرى أو أتباع الديانات الأخرى لصالح إيجاد مجتمع متناغم في خضم الخلافات والفروقات المتباعدة. الاعتدال هو المفتاح، والإسلام يدعو أتباعه إلى الاعتدال. لذلك يتوجب حل أية أمور تبدو على أنها تهديدات بحكمة ومن خلال عملية حوار ونقاش للوصول إلى حل وسط وتجنب المواجهة واستخدام القوة.
مما سبق نجد أنه الممكن أن تكون هناك نتيجتان متناقضتان من مصدر واحد: الأولى تبني الأصولية واستخدام القوة والعنف، والثانية الاعتدال والحوار كأدوات لحل المشكلات والخلافات.
حتى الآن، سيطرت المجموعة الأولى، على رغم كونها الأقلية، على مسرح الحوادث من خلال أعمالها العدوانية. لقد سرقت الأضواء ونجحت في رسم صورة قاتمة للإسلام: الإسلام يعني العنف بحسب أتباع هذه المجموعة. في أثناء ذلك قامت المجموعة الثانية التي تمثل غالبية المسلمين باتّباع الصمت، غير قادرة على إظهار القيم المعتدلة للإسلام ويبدو أنها تكافح لمحو صورة الإسلام كدين العنف. لذلك فقد حان الوقت لإعادة تعريف الإسلام.
الإسلام يرفض العنف واستخدام القوة لحل المشكلات. الإسلام واضح في دعوته للحوار والنقاش للوصول إلى حل وسط. يتوجب على المسلمين فهم هذا المبدأ حتى يتسنى لهم تغيير الوضع الراهن. الرفض بصوت مرتفع للعنف واستخدام القوة، جنبا إلى جنب مع تشجيع الحوار والنقاش لحل المشكلات من قبل مسلمي التيار الإسلامي الرئيس، سيمحو، باعتقادي تصوير الإسلام كدين العنف.
إضافة إلى ذلك هناك حاجة للعمل المتبادل للنجاح في تغيير الوضع. يتوجب على غير المسلمين، وخصوصا الموجودين في الغرب، المساعدة في هذه العملية. يحتاج الطرفان إلى بدء عملية تطوير حوار مستدام لفهم ثقافة بعضهما وحضارتهما. لا يمكن تجنب صدام بين الطرفين في عالم العولمة هذا ودحر فكرة الأصولية والتطرف إلا من خلال هذه العملية.
*كاتب ومراقب سياسي مستقل والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1710 - السبت 12 مايو 2007م الموافق 24 ربيع الثاني 1428هـ