كم جميل أن نصحو من نومنا ذات يوم، ومدارسنا لا تحوي ورقا ولا قلما، كل شيء طاله التغيير، فلا كراسات ولا صفوف اعتيادية، كله تحول إلى رموز ذكية، وأصبح بالإمكان التواصل والاتصال التعلمي في أي وقت ومن أي مكان، عندئذ يجوز لنا أن نقول وداعا للسبورة وللطبشور، والتعليم لا يحدوه سور.
إن هذا التغيير لا يحتاج إلى تعديلات على الأنظمة الحالية وإدخال الأجهزة الفنية فحسب إنما يحتاج إلى بث ثقافة جديدة، بإمكانها بث روح عمل خلاقة ربما تستهلك وقتا أطول وجهدا أكثر لكنها في نهاية المطاف تودي إلى نظام تعليمي أفضل. هذه الثقافة ربما طالت طلابنا بشكل أفضل من معلميهم اذ تقول إحدى طالبتنا بهذه الخصوص «أقدمت وزارة التربية والتعليم على الكثير من المشروعات التربوية من بينها تطبيق نظام التعليم الالكتروني الذي يعد نقلة نوعية في مسيرة التعليم بالمملكة والتي ستساعد الطلبة كثيرا على تقبل المعلومات واستيعابها بشكل أكبر من ذي قبل. وبالتالي سيصبح بإمكانهم الولوج في مجتمع المعلومات الحديث والاندماج معه بكل سهولة وانسياب. إن التعليم في مملكتنا يتصدر اهتمامات القيادة فتسعى دوما لتحسين مخرجات التعليم بقدر الإمكان حتى تصمد في وجه ألوان التيارات المعلوماتية والتكنولوجية التي تعصف بالعالم أجمعه في وقتنا الراهن».
الحديث عن نهاية الكتاب المدرسي أو انهياره بسبب العولمة والمعلوماتية والاتصالات أمر مبالغ فيه، ومن كان يعتقد ذلك فليحاول تجنب استخدام الشبكة العنكبوتية، المدارس يجب أن تتكيف مع هذه المرحلة الجديدة، وأن يتخلى المعلمون عن أدوارهم التقليدية التي اعتادوا على ممارستها، بل عليهم أن يعيدوا ترتيب أوراقهم من جديد، هواجس معلمينا في هذا الخصوص كثيرة، فهي تتجاوز هاجس القيادة في العملية التعليمية بوصفها محورا أساسيا في بث المعلومة، إلى هواجس متعددة أبرزها كيف ستكون طبعية العلاقة بين الطالب والمعلم من جانب، والمعلم وإدارته المدرسية من جانب آخر؟ وعلى أي حال كم سيكون نصاب المعلم من العبء الدراسي، وما هي الحوافز المطروحة؟ وما هي معايير التقييم؟ إشكال آخر يطرحه المعلمون هل سيصاحب التعليم الالكتروني تغيرا حقيقيا في هيكلية وزارة التربية والتعليم؟ وما هي التوازنات المطروحة في هذا الجانب؟ وهل من الإنصاف أن تعطى المناصب لمن لا يمتلك التخصص ولا يجيد الحراك في هذا الإطار؟
المجتمع الأهلي لم يتصدر اهتمام الوزارة في هذا الجانب، ولم تحرك مؤسسات المجتمع المدني ساكنا ولم تتجاوب في أمر يعد توجها عالميا، ويمس أجيالا ستحرك إدارته مستقبلا، وهذا التغييب المقصود وتحييد القوى وخصوصا الاقتصادية منها، له الأثر البالغ في إمكان إحداث التغيير في الصيرورة التعليمية في بلادنا، لذلك يجب النظر في إشراك القطاع الصناعي والمعلوماتي والمالي في تطوير التعليم الالكتروني في المدارس، وتدريب المعلمين والمشاركة الفعلية في المناهج والعمليات الفنية المصاحبة. الأمر يحتاج إلى وقفة مصارحة بأن تطوير التعليم الحديث ليس رهينا بالتربويين فحسب، بل تعداه إلى غيرهم من القطاعات الأخرى، وإن الأمر لا يستقيم بغير المشاركة في الرأي والأداء معا.
في وقت سابق أشارت وزارة «التربية» إلى إن أداء مخرجات النظام التعليمي الحكومي في البحرين أقل من مستوى الدول المقارنة خصوصا في المواد الأساسية، وعللت أسباب ضعف المخرجات إلى مناهج التدريس والتي تركز غالبيتها على المعرفة وتغفل الجانب المهاري، وعلى نوعية وطرائق التدريس المتبعة في مدارسنا والتي وصفت بالضعيفة وغير المشوقة، بالإضافة إلى ضعف تدريب المعلمين، هذا الأمر حدث في التعليم التقليدي الاعتيادي المتعارف عليه، هل الوزارة أخذت في الحسبان أن الأمر سيتفاقم في التعليم الالكتروني إذ لم تحتوِ الوزارة هذه المشكلات بخطة عمل طارئة تعالج كل ما من شأنه أن يعوق التعليم الالكتروني، إذ ليس الهدف من هذا التعليم تحويل السطر الكتابي كما جاء في الكتاب المدرسي إلى شريط الكتروني مرفق بصورة محفوظ في ملف ممغنط، ونعتبر ذلك تعليما الكترونيا، إذ اختلفت الآلية ولم تختلف المنهجية وهنا تكمن المشكلة، فيحدث التباين النوعي بين طلبة الحكومة وطلبة المدارس الخاصة، وبالتالي يتعثر طلابنا في قاعات الجامعة.
الوزارة لم تألُ جهدا في التعليم الالكتروني، وسعيها متواصل نحو التطوير من دون شك، وعلى رغم أن التعليم الالكتروني يتيح للآباء متابعة الأبناء بطريقة دقيقة وفورية، كما أنه يوفر الاتصال المباشر بالمدرسين وفي الوقت ذاته يخلق التفاعل المرجو ما بين البيت والمدرسة والوزارة، لكن لا تزال الأسرة تشعر بالخوف من أن يصير التعليم مفتوحا دونما ضوابط، إذ إن التعليم الالكتروني يخلق جوا مختلفا مملوءا بالحيوية، ومبنيا على ثقافة الحوار والتواصل بعالم أوسع من عالم السطور والسبورة، فمن يحمي أبناءنا؟ وهذا يقودنا إلى مسألة مهمة وحيوية وهي ألم يأن الأوان في أن تفكر الوزارة في بناء منهجية الأنموذج البحريني في التعليم الالكتروني، إذ لا تزال ممارستنا الالكترونية في مدارس المستقبل قائمة على السبورة الالكترونية واستخدام الإنترنت في التفاعل المباشر بين المتعلمين والمعلم، هذا الأمر تجاوزه التعليم الالكتروني في العام 2005م، ليبدأ في تنفيذ خطة جديدة تنتهي قي العام 2015 تركز على التعيلم الكتروني القائم على استقلالية الطالب في التفاعل المباشر في أي وقت ومن أي مكان، مع إمكان توظيف أوسع للوسائط المتعددة، والحصول على المساعدة المباشرة، والتدريب عن طريق الفصل الافتراضي، وإجراء المحادثة النصية المباشرة، وتعويد الطالب على التدريب الذاتي والمحاكاة بالتحاور النصي والصوتي. إذا لا يزال الطريق أمامنا طويل وينبغي التكاتف معا من أجل تحقيق حلمنا في التعليم الالكتروني، إذ لا أحد منا يريد الوقوف في منتصف الطريق.
إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"العدد 1709 - الجمعة 11 مايو 2007م الموافق 23 ربيع الثاني 1428هـ