في العام 1990 تلقيت دعوة من الرابطة الإسلامية في مومبي بالهند للمشاركة في معرض الكتاب الإسلامي الخاص بأهل البيت (ع) في «مركز نهرو» وهو المعرض الأول من نوعه، وقد مثلت مكتبات البحرين في هذا المعرض الذي استمر ثلاثة أيام، انتقل بعدها إلى مدينة بونا القريبة من مومبي، وقد كانت الكتب للعرض فقط.
لقد لوحظ الإقبال الكبير على الكتب من قبل العرب وغير العرب، وكذلك من المسلمين وغير المسلمين، إلى جانب بعض النقاشات بشأن الأديان وخصوصا الدين الإسلامي. ومع انتهاء فترة المعرض رأيت تمديد الزيارة لأنعم بالاطلاع على بعض مدن الهند مثل: مومبي، بونا، عليكر، أكرا، لكنو، ميسور، بنكلور، مدراس، بنارس، حيدر آباد، وكيرالا وغيرها إذ بلغت فترة الزيارة ثمانين يوما.
إن أول ما يواجهه الزائر إلى هذه المدن هو المعالم التاريخية والأثرية المنتشرة هنا وهناك، والتي تغري بمزيد من الاطلاع، ومزيد من الصور، إلى جانب الأماكن الجميلة والحدائق والأنهار والشلالات.
ومن المظاهر السائدة في الهند أنك تجد المسجد ملاصقا للحسينية، سواء القديم منها أو الحديث، ويعني هذا - فيما يعني - أن المسجد أعد للعبادة كالصلاة والدعاء، والحسينية أعدت لعبادة أخرى هي إحياء ذكريات أهل البيت (ع) ولا شيء يفصل بينهما.
لقد حضرت مهرجان الغدير في مدراس وبنغلور، ورأيت كيف يسير المحتفلون في شوارع هاتين المدينتين يتقدمهم العلماء وهم يحملون الشعارات الإسلامية ويرتدون ملابس خاصة ويوزعون الحلوى على الناس وهم ينشدون الأناشيد الخاصة بذكرى الغدير.
أما في محرم الحرام فقد كنت في مومبي وحيدر آباد إذ تكتسي المدينتان بحلة سوداء وكذلك المعزون الذين يرتدون السواد منذ بداية الشهر وهم حفاة تعبيرا عن الحزن الذي يبلغ ذروته يوم العاشر من المحرم فتتحول الشوارع إلى قلعة من السواد وتوزع «المايكروفونات» وأجهزة التلفاز التي تساعد المحتفلين على الاستماع والمتابعة.
أما ليلة الحادي عشر من المحرم فإن الاحتفال يكون في الظلام وعلى الأرض، تعبيرا ورمزا يدل على الحزن والكآبة. يشار إلى أن جميع المواكب سواء منها موكب الغدير أو موكب عاشوراء يسيرون في الشوارع من دون أن يضايقهم أحد، بل يسيرون في حماية رجال الأمن وقاية لهم من جهل الجاهلين مثيري المشكلات والفتن.
ومن المظاهر أيضا إعداد المجسمات الكبيرة التي تشبه الأماكن المقدسة في العراق وإيران وغيرهما، إذ يزورها الكثيرون ويدعون عندها متضرعين إلى الله أن يرزقهم زيارتها في أماكنها الأصلية رغبة في الأجر والثواب. أما الورود ذات الألوان والأشكال المختلفة فلها سوق رائجة في جميع مدن الهند، إذ يتم استعمالها في أكثر من مجال مثل الزواج والوفيات والاحتفالات الدينية وغير ذلك.
ومن اللافت للنظر الدور الكبير الذي تقوم به الجمعيات الخيرية الإسلامية والمتمثل في رعاية الأيتام وإنشاء الوحدات السكنية وتوفير المدارس والخدمات الطبية لغير القادرين على توفيرها من المسلمين، مع دفع الكلف بشروط ميسرة.
وأخيرا، لقد صدق من قال «إن الهند بلد العجائب» ومن العجائب السائدة تقديرهم للبقرة واحترامها وحمايتها من أي مكروه، فهي تتمتع بوفرة الطعام والأمان الذي يتمنى مثله كثيرون من بني الإنسان في الهند وغير الهند، حتى أن بعضهم إذا ضاقت عليه السبل وانسدت الأبواب، لا يتردد عن قوله: «ليتني بقرة من بقر الهند!».
إقرأ أيضا لـ "علي الشرقي"العدد 1708 - الخميس 10 مايو 2007م الموافق 22 ربيع الثاني 1428هـ