من أعجب ما سمعناه من تعليقات على جلسة الثلثاء، ما قاله وزير الدولة لشئون مجلس الوزراء إن «طلب استجوابه سياسي»! وكان الرد عليه بالحجة نفسها على لسان رئيس كتلة الوفاق أن «إسقاط طلب الاستجواب وراءه دوافع سياسية» أيضا! والحمدلله أن أحدا لم يجاهر - حتى الآن على الأقل - بأن هناك دوافعَ اقتصادية أو مالية أو حتى طائفية!
نحن نتحدّث عن برلمان، وسياسة دولة، ووزارات وإصلاح، وطلب استجواب على خلفية مزاعم بشأن مخالفات منسوبة إلى الوزير، وممارسات مخالفة للقانون ودعاوى فساد رفعتها إحدى الكتل الرئيسية بالبرلمان مستندة إلى أحكام دستورية وتصريحات الوزير، واتهامات باستغلال المنصب وتسخير الموظفين لأغراض شخصية... أليس كل ذلك سياسة؟
عند الساعة التاسعة والربع من مساء الثلثاء، وزعت وكالة «بنا» للأنباء تصريح الوزير، وكان بمثابة دفاعٍ عن النفس، وهو من حقّه تماما، فليس هناك إنسانٌ شريفٌ يرضى أن يُتّهم في أمانته المهنية، ومن حقّه نفي التهم والتفاخر بذمته المالية، استنادا إلى المثل الشعبي: «لا تبوق ولا تخاف». الوزير سلّم بأن الاستجواب «حق مكفول لكل نائب»، وأعرب عن احترامه «الإخوة النواب الذين تقدّموا بالاستجواب كأشخاص»، ولكنه ذهب إلى القول إن الاستجواب «مسيّس»، وهي حجةٌ لا تدفع تهمة ولا تزكّي ذمة ولا تسقط حقا أصيلا للنواب في المساءلة. الحجّة هنا واهية جدا، فإذا لم يكن من مسئولية النواب المؤتمنين على مصالح الشعب المطالبة بذلك، فما مسئوليتهم؟
ما جرى في جلسة الثلثاء، يمكن النظر إليه على أنه خطوةٌ أولى على طريق معالجة الفساد (المالي والإداري) الذي يتحدّث عنه الجميع، ويعاني تبعاته كل المواطنين، ولكن لا يجرأ أحدٌ على مواجهته. وعندما تحين ساعة الحقيقة يلوذ من أوكل إليهم الشعب الدفاع عن مصالحه إلى لعبة الاصطفافات؛ ترجيحا للمصالح الفئوية والحسابات الحزبية الضيقة على مصالح الوطن العليا.
اللافت أن الكتلة التي قادت إلى التصعيد هي كتلة الأصالة (الإسلامية)، باقتراحها إحالة الاستجواب إلى اللجنة التشريعية بدلا من المالية، مع التحذير من دخول البرلمان في أزمة مع الحكومة. وهذا الهاجس من شأنه أن يكبّل حركة المجلس ويحكم عليه بالشلل أمام أيّة محاولة جادة لتحسين الأداء والقيام بدوره الرقابي المطلوب.
من الناحية المبدئية، الكتلة كتلة مشايخ وخطباء جمعة، طالما شنّفوا أسماع جمهورهم المتديّن بالسير العاطرة للخلفاء والعلماء. وهم من دعاة العودة إلى العصور الإسلامية الأولى، ويتشرفون باسم السلف الصالح، الذين كانوا من أشد المطالبين بالعدل والمساواة بين الناس، والأكثر حرصا على حماية «بيت مال المسلمين»، من دون أن تأخذهم في الله لومة لائم. من هنا يُفترض أن تشعر «الأصالة» بالخذلان في محكمة الضمير عند محاولة استذكار مبادئ السلف الأولى.
في أسوأ الحالات، وهو إسقاط الاستجواب، لن تكون «الوفاق» الخاسرة وحدها، وإنّما هناك الوزير الذي ينتظر منه الرأي العام أن يمثل أمام البرلمان ليدافع عن سلامة موقفه بالوثائق والحجج العقلانية وليس بالاستناد إلى الأمثال الشعبية. هناك أيضا من تبرّعوا بالدفاع المستميت قبل أن يسمعوا لائحة الاتهام أو يتركوا لأنفسهم فرصة التحقق من البينات، نفرة عصبية وتغليبا للغة المصالح الضيقة على مصلحة الوطن. وفي ذيل قائمة الخاسرين ذلك الإعلام الذي فضح نفسه، حين راح يدافع بنفسية الخفافيش المرعوبة من تسلل الضوء إلى بداية النفق.
وأخيرا... إذا سقط الاستجواب، فسيكون الخاسر الأكبر هذا الشعب الذي يسمع جعجعة عن الفسادين المالي والإداري ولا يرى غير الغبار.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1707 - الأربعاء 09 مايو 2007م الموافق 21 ربيع الثاني 1428هـ