عادة ما تكون الموضوعات الجدلية أكثر إثارة، وتستطيع أن تحرّك الأقلام الأخرى ربما لتتفق وتعلن من خلال قلمها الاتفاق الحاصل وربما لتختلف فنجد القلم يصارع بغرض إثبات الوجه الآخر للحقيقة المغيّبة التي لم تفصحها الأقلام.
في الأسابيع السابقة من بين ما كتبت وكان له صدى كبير إحدى القضايا الاجتماعية إن جاز لنا تسميتها ولعلها أكبر من أن تحصر في الجانب الاجتماعي فقط لكون تداعياتها تنعكس سلبا على الأصعدة كافة، لكن يبدو بأن الفخ الذي وقعت فيه، وجاءت أحد التعليقات الطويلة التي عاتبتني على طرحي لكوني ركزت على الجانب المادي منه، متجاهلة الجوانب النفسية الأخرى التي دعت الطرف الآخر للتوجّه من الزواج من غير البحرينية، لست في دفاع عن المرأة و لا أستطيع أن أدافع عن أخطاء الرجل إذا أخطأ ولكني أرى أن فئة قليلة من النساء تؤثر على مجموعة أخرى بريئة من التهم كبراءة الذئب من دم يوسف (ع)، كذلك هناك نفر من الرجال بلا مبرر يتجهون للزواج من غير البحرينية ليس بغرض البحث عن الرخص فلسنا بصدد البحث عن سلع استهلاكية ولكن البحث عن النصف الآخر لرحلة الحياة.
وفيما يلي وبأمانة أنقل لكم التعليقات الأخرى، أحد القرّاء على رغم الظروف المؤلمة الذي أحسست بها خلال قراءتي لتعليقه على المقال، إلا أنه إلى الآن لم يجد نفسه مضطرا إلى الزواج من غير البحرينية. وهاهي الأحداث التي مرت عليه كما يرويها قلمه، لكن بدوري أود أن أشير إلى أنه ربما قست عليه الظروف أكثر ليجد نفسه في نهاية المطاف يستسلم للزواج من الخارج، إذ لم يفته في الإشارة بأصبع الاتهام إلى البنات البحرينيات اللاتي يضعن العقدة في المنشار بلا داع ومع ذلك يحاكم الرجل محاكمة اجتماعية وثقافية لكونه قد اتجه للزواج من غير البحرينية. وهنا ملخص للتعليق المطوّل الذي بعث به:
«ما أجمل أن نبسط أمورنا الاجتماعية بسهولة بالغة وطريقة سلسة في إلقاء اللوم على الآخر. فهنا لا أكتب فلسفة بقدر ما عشته من تجربة مريرة، وكثيرون هم أمثالي من الشباب البحريني، أصل الزواج عندي طبيعة تسنّها الفطرة الإنسانية للسكن لروح الطرف الآخر التي تشاطرك هموم الدنيا بحلاوتها ومرارتها ضمن كيفيات تحدد رغبات الميول لدى كل منهما بحيث تخلق معيار القبول بغض النظر عن مدى القرابة الأسرية والصلات المجتمعية ، لكنني شخصيا -والكلام لا يزال للأخ القارئ- وإن لم يرقني أسلوب تعاطيك لموضوع الزواج بحساب الكلفة المالية والقدرات المادية، فإنني أجد أن المشكلة أكبر من هذا كله... وهنا أضع نقاطا من حياتي على حروف كتبت على أسطر سنوات أربع ماضية.
في البداية عندما كنت في سن الثالثة والعشرين، كانت معي في الجامعة فتاة وهي بهندامها وخلقها تظهر بأنها من بيت قروي ملتزم بتعاليم الدين، و بعد أن استقرأت شخصها وجدت ارتياحا للتقدم إليها بعد التخرج... إلا أن المفاجأة كانت لا تفكر إلا باستكمال دراستها لتحصيل شهادة الماجستير! ما أضحكني في أمرها أن مستواها التحصيلي (أقل من جيد) ومع ذلك استقبلت العذر باستعداد نفسي ومادي تام لدفع مصاريف دراستها وتأمين كل ما تطلبه من أجل ألا تضع (الماجستير) عقبة في عدم الموافقة. ولكوني من الطلبة المتفوقين ومنحدرا من بيت يراعي المستوى التعليمي ويتميز بالتفوق على مستوى البلد فكرت في توفير الدعم لها لتحقيق حلمها، إلا أن شيئا من هذا لم يشفع، والأغرب أن الفتاة لا تزال عزباء لحد الآن. ولأن الحياة لا تتوقف، تقدّمت لفتاة أخرى جعلت مني ناطورا لأكثر من عشرة أشهر حتى أظفر بمقابلة نوعية لأنها باختصار شديد الدكتورة منشغلة بامتحانات آخر سنة جامعية. وما إن سنحت الفرصة بعد انتظار طويل جاءني الرد على لسان أخيها: أنها غير مستعدة للارتباط من رجل يعمل حتى السابعة مساء! أما الثالثة وعمرها 23 سنة فكان جوابها أنها برغبة لتحقيق طموحها في العمل ولا ترغب بالارتباط حاليا. أما الرابعة فوجدتني رجلا خلوقا ومحترما إلا أنني لست رياضيا ؛ لأنها تحب مفتولي العضلات! أما الخامسة فوجدتني رجلا جادا وعمليا. حتى لا أدري ما هو ترتيب القادمة؟!
تعقيبا على كل هذه الأمثلة وبضغط من المحيط الذي أعيش فيه، ومن خلال اقتصار تعاملي اليومي في محيطي العمل والبيت. بدأت أفكر بتقليل معايير اختياري خصوصا أن أماكن وجودي لم تعد تشير بأي احتكاك مع الجنس الآخر... إلا أنني فتحت أبواب جهنم على نفسي فالبحث مازال ساريا! تصورت أن لديّ عيوبا معينة أو أنني لم أوفق في الاختيار، إلا أنني وجدت زميلاي في العمل وأعمارهما 28 و29 سنة يعانون من المشكلة نفسها وربما أكثر من عشرة شبان أعمارهم فوق 25 عاما يشاطرونني الهم نفسه، رغم أنهم مقتدرون ماليا وذوو مؤهلات دراسية ومناصب مهنية...
ومطالبنا ما هي إلا امرأة ملتزمة مقدرة لمتطلبات الحياة متفهمة لظروف زوجها المعيشية، ذات طباع وأخلاق وجمال مقبول، ويفضل أنها استكملت دراستها أو تعمل... فهل في ذلك حلم من نسج الخيال؟ -ويستطرد القارئ- عندما يحكي لنا قصة صديق عمره الذي تجاوز عمره الثلاثين ولم يظفر بزوجة بحرينية بسبب عمره المتقدم ومستوى الدبلوم المشارك كمؤهل دراسي، حتى استأثر بالزواج من جنوب لبنان بعد أن سأم حججا لا متناهية... واليوم، على رغم من بعض الصعوبات إلا أن السعادة والخير تفتحت له في حياته.
في نهاية المطاف وبعد الرحلة الطويلة يجد نفسه قادرا على تحليل الواقع الاجتماعي ويرد أصل المشكلة إلى الغرور الذي يصيب الفتيات ومرض تحقيق الذات من دون النظر بأن الزواج مسيرة تتخللها المودة والرحمة.
ومن الجدير ذكره أن القارئ الكريم الذي تركت لكم تعليقه بطلب منه شاب عمره لم يتجاوز الـ 28 عاما وحاصل على دراسات عليا ويشغل منصبا عاليا في إحدى المؤسسات، وبقية التعليقات تأتي في مقال آخر فالمهتمون برجاء المتابعة.
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1707 - الأربعاء 09 مايو 2007م الموافق 21 ربيع الثاني 1428هـ